الاسبوع الثالث من الصوم (عودة الابن الضال)


الأسبوع الثالث
احد الابن الضال
 
 


ينتهي هذا الأسبوع بقصة رجوع الإبن الضال:
وقصة الإبن الضال لها ثلاثة أركان:
الأول: حنان الآب- وإشعياء يشير إليه بوضوح.
الثاني: خطايا الإبن- وقد تحدث عنها إشعياء.
الثالث: توبة الإبن- وسفر إشعياء هو سفر التوبة.
١- أبوة االله لنا:
يبدأ حديث إشعياء في أول أيام الأسبوع عن هذه الأبوة: "هأنذا والأولاد الذين أعطيتهم الآب" (إش
.(١٨ :٨
فقصة الإبن الضال هي بالأكثر تكشف عن قلب الآب المحب وشوقه لرجوع ابنه، "وإذ كان لم يزل
بعيداً رآه أبوه فتحنن وركض ووقع على عنقه وقبله" (لو ٢٠ :١٥).
٢- الخطية:
"وإذا قالوا اطلبوا إلى أصحاب التوابع العرافين..." (إش ١٩ :٨).
"فيعبرون فيها مضايقين وجائعين. ويكون حينما يجوعون أنهم يحنقون... وينظرون إلى الأرض وإذا
شدة ظلمة قتام الضيق وإلى الظلام هم مطرودون" (إش ٢٢ ،٢١ :٨) "الجالسون في أرض ظلال الموت
الشعب السالك في الظلمة" (إش ٢٢ ،٢١).
أليست هذه هي تصرفات الإبن الضال:
بدل أن يسأل أباه سأل أصدقاءه الأشرار الذين قادوه للعرافين... كأن ليس له أب أو إله.
الأرض التي ذهب إليها يقول عنها إشعياء أنها أرض ضيقة وجوع وظلام ويعيشون فيها غرباء
(مطرودين)، وهذه نفس أوصاف ربنا عن أنها كانت أرض الخنازير، وكان يشتهي أن يملأ بطنه منها وهو
في حالة جوع.
هذه هي ثمار الخطية وصفها لنا إشعياء النبي في أسبوع الإبن الضال.
٣- التـوبة:
١- التوبة هي رجوع وخضوع للآب والتلمذة له:
فيقول النبي: "صرَّ الشهادة اختم الشريعة بتلاميذي" (إش ١٦ :٨). فاشعياء يكشف لنا أن التوبة هي
تلمذة لوصايا ربنا يسوع وهي في ذات الوقت شهادة (صر الشهادة).
فالشخص التائب هو أكبر شاهد لعمل نعمة المسيح فيه، والعصر الذي تعيش فيه الكنيسة اليوم
يتوقف على قوة التوبة فيها. فكنيسة ليس فيها توبة مستمرة هي كنيسة جامدة، أما كنيسة تعيش أفرادها حياة
التوبة فتكون شاهد لعمل المسيح وتجذب إليها الآخرين.
٢- والتوبة هي "مخافة الرب وحياة القداسة":
فيقول إشعياء: "قدسوا رب الجنود فهو خوفكم وهو رهبتكم". (إش ١٣ :٨).
فكثيرون هذه الأيام يتحدثون عن التوبة بمنتهى البساطة إن التوبة هي دموع وتسمير مخافة االله في
القلب كقول داود النبي: "سمر خوفك في لحمى" (مز ١١٨). والقداسة هي ثمرة مخافة الرب، أما الاستهتار
في التوبة وتسهيلها يؤدى إلى عدم المخافة وسرعة العودة للسقوط.
٣- والتوبة هي السير في نور السيد المسيح:
"الشعب السالك في الظلمة أبصر نوراً عظيماً. الجالسون في أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور"
.(٢ :٩ إش)
هل يوجد تعبير للتوبة أجمل من تعبير إشعياء، أي أنها الانتقال من الظلمة للنور ومن الموت للحياة.
"لأن ابني هذا كان ميتاً فعاش وكان ضالاً (في الظلام) فوجد (في النور)" (لو ٢٤ :١٥)...
٤- والتـوبة فـرح:
"عظمت لها الفرح، يفرحون أمامك كالفرح في الحصاد كالذين يبتهجون عندما يقتسمون غنيمة" (إش
٣ :٩). فدموع التوبة دموع مفرحة، وتعب الرجوع لحضن الآب ينتهي بفرح الأحضان والقبلات وذبح العجل
المسمن، وقد قال الآب: "ينبغي أن نفرح" (لو ٢٣ :١٥). "إنه فرح الملائكة" (لو ١٠ ،٧ :١٥)، "وفرح
الجيران" (لو ٦ :١٥)، وفرح الآب نفسه وفرح الإبن (لو ٢٥ -٢٣ :١٥)، إن أفراح التوبة هي ثمرة الروح
القدس العامل في الكنيسة- لذلك كنيسة بلا توبة في حياة أفرادها هي كنيسة بلا فرح، والعكس صحيح لأنه
ليس هناك مصدر لفرح الروح القدس في الكنيسة إلاَّ توبة أولادها- فهيا بنا يا إخوتي في فترة الصوم نفرح
الآب والسماء والملائكة والقديسين والكنيسة، ونفرح نحن بفرحهم.
٥- والذين يلجئون لغير االله فليس لهم فخر (إش ١٩ :٨). الذين لم يرجعوا عن الطلب إلى أصحاب
التوابع والعرافين... وأي شيء آخر غير االله- أي لم يتوبوا- فليس لهم فجر ولا حياة في النور مع السيد
المسيح.
٦- أخـيراً...
ليست التوبة فقط هي البعد عن الخطية ولكنها هي أيضاً الحياة الإيجابية مع السيد المسيح. وهذا
أروع ما كتب عنه إشعياء في نهاية نبرات يوم الاثنين:
"ويولد لنا ولد ونعطى ابناً وتكون الرياسة على كتفه و يدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس
السلام. لنمو رياسته وللسلام لا نهاية" (إش ٦ :٩).
هذه الآية هي ختام لنبوة يوم الاثنين، حيث يبدأ أسبوع التوبة (الإبن الضال) الذي هو صفة الصوم كله. وليتك
تتأمل الربط العجيب بين الحديث عن الإبن الضال ونبوات هذا اليوم...
التي تنتهي بالقول: "والسلام لا نهاية له لأنه ولد لنا ولد وأعطينا ابناً هو ملك السلام".
يومي الثلاثاء والأربعاء:
نبوات هذين اليومين تتحدث عن معوقات التوبة وهي:
١- البر الذاتي والكبرياء:
إحساس الإنسان إنه غير محتاج للتوبة لأنه بار في عيني نفسه فيقول: "لإنه قال بقدرة يدي صنعت
وبحكمتي لأني فهيم" (إش ١٣ :١٠).
ولعل هذا هو إحساس الإبن الضال عند خروجه من بيت أبيه "أنه فهيم" وحكيم في عيني نفسه، وأنه سيصنع
أموراً عظيمة بالأموال التي أخذها من أبيه، ويقول: "بقدرة يدي صعنت وبحكمتي لأني فهيم".
اسمع ماذا يرد عليه االله الآب في نفس نبوة يوم الثلاثاء: "هل يفتخر الفأس على القاطع بها أو يتكبر المنشار
على مردده...!" (إش ١٥ :١٠).
٢- قسوة القلب:
من كثرة ارتباكات، وانشغالات، وشهوات، وماديات هذا العالم يتقسى القلب فيقول النبي: "والشعب لم
يرجع إلى ضاربه ولم يطلب رب الجنود" (إش ١٣ :٩). و يأتي الوقت- من كثرة قسوة القلب- تضيع فرص
التوبة ولا يحس الإنسان بمقاصد الآب الذي يريد خلاصنا- "الذي لم يشفق على إبنه بل بذله لأجلنا أجمعين"
.(٣٢ :٨ رو)
وهذه القسوة تؤدى حتماً في النهاية إلى "الفجور، والتمادى في الشر الذي يحرق صاحبه كالنار" (إش ٩:
١٨). ثم يحول الإنسان "من الحق إلى الباطل والجور، وسلب حق الضعفاء والأرامل والأيتـام" (إش ١٠:
.(٢ ،١
١- ولكن ما السبب في هذه القسوة؟
أولاً: هموم هذا العالم الفاني، وكثرة شهواته وعثراته وأخطرها الثعالب الصغيرة "خذوا لنا الثعالب
الثعالب الصغار المفسدة الكروم" (نش ١٥ :٢). وهذه الثعالب الصغيرة هي الخطية في بدايتها التي تبدأ
صغيرة، نهملها ونستهتر بها تكبر وتقسي القلب، وحينئذ يصعب التخلص منها. ويكون ذلك سببه التهاون
وعدم محاسبة النفس باستمرار.
ثانيا: يقول النبي إن: "مرشدو هذا الشعب مضلين" (إش ١٦ :٩). والمرشد في حياة الإنسان هو
البيت الأول (الأب والأم)، خادم مدارس الأحد، الكاهن والمعلم... فقلة التوجيه والتعليم والتوبيخ تولد هذه
القساوة.
ب- وكيف الرجوع إلى االله؟
الحل الوحيد هو الرجوع لكلمة االله "إلى الشريعة إلى الشهادة إن لم يقولوا مثل هذا القول فليس لهم
فجر" (إش ٣٠ :٨).
"فكلمة االله تعلم الجهال"، وكلمة االله تنقى القلب "أنتم أنقياء من أجل الكلام الذي كلمتكم به" (يو ٣ :١٥).
وكلمة االله تلين القلب وتذيب قساوته وتعلم الإتضاع والمسكنة والتوبة والبحث عن خلاص النفس.
يومي الخميس والجمعة:
أما نبوات الخميس والجمعة فتتحدث بدقة عن موضوع رجوع الإبن الضال لأبيه:
يتحدث في (الإصحاح ١١) عن الحياة الجديدة مع المسيح، حياة الإبن الضال بعدما عاد إلى أبيه- وهـذا
ما تسميه الكنيسة بالمُلك الألفي "فعاشوا وملكوا مع المسيح ألف سنة" (رؤ ٤ :٢٠). حيث يعيش المؤمنون
مع المسيح لا مُلكاً أرضياً زمنياً بل يعيشون مُلكاً روحياً معه. ويحل عليه- على السيد المسيح كممثل لنـا
وكتائبين- روح الرب، روح الحكمة والفهم، وروح المشورة والقوة، روح المعرفة ومخافة الرب، ولذتـه
تكون في مخافة الرب... ويكون البر منطقه متينة والأمانة منطقة حقويه" (إش ٥ -٢ :١١)
وتتميز الحياة مع السيد المسيح بالسلام الكامل:
أ- "فيسكن الذئب مع الخروف" (إش ٦ :١١). "ها أنا أرسلكم كحملان في وسط ذئاب" (لو ٣ :١٠).
ب- "ويلعب الرضيع على سرب الصل ويمد الفطيم يده على صخر الأفعوان" (إش ٨ :١١). "كونوا
حكماء كالحيات، وبسطاء كالأطفال" (عن مجلة مرقس).
"والأرض تمتلئ من معرفة الرب" (إش ٩ :١١). فالإبن الضال لم يعرف محبة أبيه ولم يدرك مصـلحته
إلاَّ بعد التوبة.
"ويكون أصل يسى راية للشعوب أياه تطلب الأمم" (إش ١٠ :١١ ). فالكنيسة التائبة تخرج منها رائحـة
المسيح التي تكون راية للشعوب ومنارة، فيطلبون الرب من أمم غريبة.
ومن أروع ما يشير به إشعياء إلى أن التوبة هي دعوة اقتناء االله لأولاده:
أ- "ويكون في ذلك اليوم أن السيد يعيد يده ثانية ليقتنى بقية شعبه... من كل مكان" (إش ١١ :١١).
ب- "ويجمع منفي إسرائيل (إسرائيل ابنه البكر)، و يضم مشتت يهوذا" (إش ١٢ :١١). فالابن
الضال ابن مشتت.
والنفس التائبة نفس فرحة مسبحة للرب.
وهذا ما سجله إشعياء في نبوة هذا اليوم:
"ويقول: أحمدك يارب لأنه إذا غضبت علىَّ ارتد غضبك فتعزيني (تعزية التوبة)" (إش ١ :١٢).
فواضح أن غضب االله كان من أجل رجوع النفس وتوبيخها، ومن هنا كان غضب الرب هو سبب التعزية.
لذلك (فالإصحاح ١٢) يتحدث عن غضب الرب اللازم للتأديب والتوبة "هوذا يوم الرب قادم قاسيًا بسخط
وحمو غضب ليجعل الأرض خراباً ويبيد منها خطاتها" (إش ٩ :١٣) فالتوبة تحمينا من غضب االله.
والتوبة تملأ القلب بالاطمئنان وتملأه بالترنيم والتسبيح "هذا االله خلاصي فأطمئن ولا أرتعـب لأن يـاه
يهوه قوتي وتسبحني وقد صار لي خلاصاً" (إش ٢ :١٢).


 الاحد الاول من الصوم (احد الكنوز)
الاحد الثانى من الصوم(احد التجربة)
التعليقات
0 التعليقات
شكرا لك على التعليق

اشترك فى القناة