الأسبوع الثاني
احد التجربة
ينتهي هذا الأسبوع بإنجيل التجربة على الجبل، ولا نكون مبالغين إذا قلنا إن إشعياء في نبوته (من ص
٤ إلى ص ٧) يتحدث عن تجارب الإنسان مع االله- وآأن إشعياء النبي يمهد الإنسان الروحي في الصوم
الأربعيني لإدراك مفاهيم التجربة وأعماقها.
أولاً- التجربة من أجل تنقية حياة الإنسان:
"إذا غسل السيد قذر بنات صهيون ونقى دم أورشليم من وسطها بروح القضاء وبروح الإحراق. يخلق الـرب
على كل مكان من جبل صهيون وعلى محفلها سحابة نهاراً ودخاناً ولمعان نار ملتهبة ليلاً. لأن على كل مجد
.(٥ ،٤ :٤ إش) "غطاء
هدف التجربة: التنقية من القذر. وتنقية الدم.
وسيلة التجربة: روح القضاء وروح الإحراق.
نتيجة التجربة: المجد من الداخل "لكل مجد غطاء" مجد النفس الممحصة بالتجربة ومن الخارج
تبدو أنها مغطاة بآلام التجربة.
فاالله حكم وقضى على أورشليم بروح الإحراق ليس انتقاماً بل لينقيها من قذرها- ويحولها إلى مجد مغطى
وهل يرضى الرب للنفس المجاهدة في الصوم أن تظل في قذرها، وأن يبقى معها كما هو... أم يبارك صومها
وينقي قذرها:
أ- وروح القضاء يمكن أن يكون هو الإعتراف وإدانة الإنسان لنفسه "لأنه لو حكمنا على أنفسنا لما
حُكم علينا" (١كو ٣١ :١١). فواضح أن التجربة هي روح القضاء- إما أن ندين أنفسنا ونتوب، وإما أن يديننا
االله في هذا العالم بطريقته الخاصة ونتوب لكي لا ندان في العالم الآخر (١ كو ١٢ :١١).
ب- أما روح الإحراق: فهو الجهاد ضد الخطية وهو صفة الصوم كقول الرسول: "أقمع جسدي
وأستعبده" (١كو ٢٧ :٩)، التي عندما يرى االله أمانتنا في الجهاد للدخول من الباب الضيق محبة في السيد
المسيح يلهب القلب بنار الروح القدس الذي هو كمال التوبة فيحرق كل ما يشين النفس من أن تكون عروساً
للسيد المسيح- ينقيها من القذر، وينقي دمها ويعطيها دمًا جديدًا - دماء إلهياً- دم ربنا يسوع من على
المذبح.
جـ- أخيراً يحولها إلى مجد: هذه العروس التي نقاها الروح القدس بروح القضاء والإحراق
وجاهدت "وتعطرت بالمرَّ واللبان- يزينها بعد ذلك بكل أذرة التاجر" (نش ٦ :٣). يزينها بمواهب الروح
القدس، "محبة- فرح- سلام- طول أناة- لطف- صلاح- إيمان- وداعة- تعفف" (غلا ٢٣ ،٢٢ :٥)... إن
النفس المجاهدة في الصوم تبدأ تتذوق حلاوة المحبة الله وللناس، كذا الفرح، والإتضاع، وطول الأناة،
والطهارة...
د- ولكل مجد غطاء: ولكن الروح القدس يصنع كل ذلك في الخفاء فيغطى على كل هذه الزينة
النقية للعروس... فترى من الخارج إنساناً عادياً بسيطاً وهو من الداخل غنى جداً بكل ثمرة للروح القدس.
فلكل مجد لا بد أن يكون له غطاء لئلا يسرقه العدو، ولئلا نستوفي أجرنا. ولئلا نقع في كبرياء وغرور...
ثانياً: تجربة العنب الرديء:
"... والآن يا سكان أورشليم ورجال يهوذا احكموا بيني وبين كرمى ماذا يصنع أيضاً لكرمى وأنا لم
أصنعه له. لماذا إذ انتظرت أن يصنع عنباً صنع عنباً رديئاً... إن كرم رب الجنود هو بيت إسرائيل وغرس
لذته رجال يهوذا" (إش ٧-١ :٥).
معلمنا يعقوب الرسول يفصل بين نوعين من التجارب في الإصحاح الأول من رسالته وهمـا: التجربـة
المفرحة وهي الموجهة من االله- وهذه التي تنقينا وتولد فينا الصبر والإيمان. ثم التجربة الشـريرة التـي
رغم الأمور الصالحة التي يصنعها االله معنا ولكن الإنسان ينجذب و ينخدع من شهوته (يع ١٥ ،١٤ :١).
فاالله في سفر إشعياء اختار أكمة خصبة (أرض خصبة)، ونقى حجارتها وزرع أحسن أنواع الكرم
(كرم سورق)، ووضع في حياة الإنسان برجاً عالياً رمزاً لكلمة االله، ونقر معصرة (أعطى الكنيسة دمه)، وهذا
الكرم غرسه السيد بنفسه بل وبلذة حتى انه يسميه غرس لذته. لقد أعطى االله كل وسائط النعمة اللازمة
(أسرار الكنيسة والكتاب المقدس وعمل الروح القدس) ومع هذا صنع الكرم عنباً ردياً.
فما الذي نتعلمه في الصوم الأربعيني من هذه النبوة ؟
١- نتعلم "أنت بلا عذر أيها الإنسان" (رو ١ :٢). كل الشر في حياتنا سببه نحن وليس االله أو
الظروف أو المجتمع، وما يفسد توبتنا هو إلقاء العيب والذنب على الآخرين، وبذلك تضيع بركة الصوم
وبركة التوبة وتتعطل رحلة الصوم التي ستنتهي بالبصخة (بالعبور) والقيامة.
٢- ونتعلم أيضاً لماذا "يطلع الشوك والحسك في حياتنا، ولماذا يحدث الجفاف الروحي ولا يكون
مطر" (إش ٦ :٥) كل هذا سببه أن مع وجود كل وسائط النعمة لم نصنع عنباً جيداً بل رديئاً، فالأعمال
الصالحة هي ثمر الحياة مع االله... فاالله يطلب ثمراً من الكرم لأنه تعب فيه. لذلك يا أحبائي إن الصوم
الأربعيني هو ميعاد طلب الثمر. فاحترس يا عزيزي أن لا تقدم الله إلاَّ عنباً وثمراً صالحاً في حياتك.
ويكمل إشعياء النبي نبوته في الإصحاح الخامس في يومي الثلاثاء والأربعاء عن الخطايا والشرور
والأسباب التي تقف أمام رحلتنا المقدسة في الصوم وتجعلنا نهمل وسائط النعمة وتجعل المسيحيين اليوم
يثمرون عنباً رديئاً. فاالله الذي بيده وبلذته غرس كرمه (كنيسته) يتألم إذ يجدنا اليوم نجارى العالم ونثمر
كثماره.
ا- حب الامتلاك (آية ٨):
" ويل للذين يصلون بيتاً بيت...".
وهكذا العالم اليوم يجذب أولاد االله لحب الامتلاك... بيوت، شقق، أراضى... حتى إذا رأيت مسيحياً
اليوم تقول إنه رجل ناجح لأن له أملاكاً كثيرة وليس لأنه رجل تقي يخاف االله في عمله.
٢- عدم المعرفة (آية ١٣):
والمعرفة الروحية- معرفة المسيح- ضرورية لسلامة الرحلة. لأنه قال: "أنا هو الطريق" (يو ١٤:
٦)، وقال: "شعبي هلك من عدم المعرفة". وهناك معرفة خاطئة وفلسفات خاطئة وهي أشر من عدم المعرفة.
٣- رذلوا شريعة الرب (آية ٢٤):
والشريعة وكلام االله هما "نور لنا في الطريق وسراج لأرجلنا" (مز ١١٨). فإهمال الكتاب المقدس
كارثة للسائر في غربة هذا العالم. إنه لا بد أن يضل الطريق... وربنا يسوع المسيح كانت ردوده على
الشيطان من الكتاب المقدس، كذلك عدو الخير كان يتحدث بكلمات وآيات ناقصة من الكتاب المقدس.
٤- ويل للحكماء في أعين أنفسهم والفهماء عند ذواتهم (آية ٢١).
فالذي يدرس الكتاب بحكمته البشرية سوف لا يجني إلاَّ الكبرياء وحكمة في عيني نفسه. فإن كان
الإتضاع هو شرطاً أساسياً للسير في طريق رحلة الصوم، يصبح الكبرياء هو أول عثرة في الطريق تحرمه
من البركات التي كان سوف يجنيها من الرحلة. لذلك فالشيطان في هذا الأسبوع جرب السيد المسيح بالكبرياء
قائلاً الق نفسك من فوق أعلى الجبل واالله سيرسل لك ملائكته ليحملوك... فرد المخلص في وداعة: "لا تجرب
الرب إلهك" (لو ١٢ :٤).
٥- الرياء والنفاق (آية ٢٠):
لم يهاجم الرب أحداً قدر ما هاجم الفريسيين المرائيين- فالمسيحية مبنية على الصراحة في
الإيمان- والمرائي يصعب عليه السير في رحلة الصوم لذلك يقول النبي: "ويل للقائلين للشر خيراً وللخير
شراً الجاعلين الظلام نوراً والنور ظلاماً الجاعلين الحلو مراً والمر حلواً ".
هذه خلاصة نبوات الثلاثاء والأربعاء.
وهي تحذير من النبي لإصلاح الكرم أثناء الصوم لكي يأتى بثمر جيد. آمين.
ثالثاً: تجربة المواجهة مع االله من آجل الخدمة (إش ١٢-١ :٦):
هل من علاقة بين الصوم والخدمة ؟
نعم: الصوم والصلاة هما اللذان عمل بهما الرسل وبشروا في جميع الأمم وعمدوهم
باسم الآب والإبن والروح القدس.
إشعياء النبي خادم االله الأمين... ولكن كيف يبدأ ؟
بناء الخادم روحياً هو بيت القصيد في الخدمة، وإشعياء لخص هذه التجربة في مواجهة االله بالصلاة، ثـم
بتطهير فمه بالجمرة النارية من على المذبح. وأخيراً بعد التأخير فـي الـذهاب للخدمـة قـائلاً: "هأنـذا
فأرسلني".
أولاً: خدام االله القديسيون لابد أن تكون لهم حياة صلاة قوية حيث يواجهون االله فيكشف ضعفهم
ويمتلئون إتضاعاً. وتهتز نفوسهم ويشعرون بقوة االله الذي أذياله تملأ كل الهيكل- ويحسون بالدخان يفصل
بينهم وبين الهيكل. والخدمة- هنا تبدأ من الهيكل- مكان العبادة، وتبدأ من مخافة االله في القلب، والإحساس
بالضعف والخطية.
ثانياً: حياة الخادم وتطهيرها تبدأ من فوق المذبح كما يقول القديس كيرلس في القداس الإلهي:
"وأعطنا الجمرة النارية التي تطهر النفس والجسد والروح التي هي الجسد الإلهي والدم الكريم اللذين
لمسيحك". فالذبيحة على المذبح هي مركز الانطلاق في حياة الخادم.
ثالثاً: طاعة إشعياء السريعة لطلب االله. بعد أن قدم االله لإشعياء كل هذه الاختبارات الروحية- لم يكن
من إشعياء إلاَّ سرعة الطاعة لخدمة االله. رغم أن خدمة النبي في ذلك الوقت كانت محفوفة بالمخاطر. فالنبي
في أيام إشعياء كان دائماً يحمل أخباراً غير سارة للملوك.
إن موضوع مثل هذا وضعته الكنيسة في منتصف أسبوع التجربة، معناه أن كل اختبار جديد هو
تجربة جديدة مع االله وانطلاق للخدمة.
رابعاً: تجربة الصلاة العميقة:
(١٤-١ :٧ إش)
"لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي ولكن الروح يشفع فينا بأنات لا يُنطق بها" (رو ٣٦ :٨).
والحقيقة أننا نطلب كثيراً من االله. ولكنها طلبات سطحية. وإليك الحوار الذي دار بين االله وأحاز (إش ١٠ :٧):
قال الرب لأحاز: "اطلب لنفسك آية. عمق طلبك أو رفعة إلى فوق".
فقال أحاز: "لا أطلب ولا أجرب الرب".
فقال إشعياء: "أنتم تضجرون إلهي أيضاً".
ولكن يعطيكم السيد نفسه آية:.
"ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل" (إش ١٤ : ٧).
فاالله في الصلاة مستعد للإعطاء حتى ذاته.
ونحن لا نعمق الطلب أو نرفعه إلى فوق ونخشى أن نطلب طلبات كبيرة فنجرب الرب.
إن االله في العهد الجديد هو نصيبنا، هو نصيب الإبن الضال، ونصيب السامرية. والمخلع... والأعمى...
ومريم اختارت النصيب الصالح الذي لن ينزع منها... إذًا فلنطلب أن يكون المسيح ذاته وليس أقـل مـن
ذاته هو نصيبنا "قوتي وتسبحتي هو الرب وقد صار لي خلاصاً" (إش ٢ :١٢).
هذه هي ثمرة الصلاة العميقة كما جربها إشعياء ويقدمها لنا في رحلة الصوم المقدس.
الصوم والصلاة: "هما اللذان عمل بهما موسى حتى أخذ لوحي الشريعة المكتوبة بإصبع االله".
الصوم والصلاة: "هما اللذان عمل بهما أهل نينوى فرحمهم االله".
الصوم والصلاة: "هما اللذان عمل بهما الرسل في خدمتهم".
الصوم والصلاة: "هما اللذان عمل بهما إيليا ورفع للسماء".
الصوم والصلاة: "هما اللذان عمل بهما دانيال وسد بهما أفواه الأسود".
الصوم والصلاة: "هما اللذان عمل بهما الشهداء وسفكوا دماءهم من أجل اسم السيد المسيح".
الصوم والصلاة: "هما اللذان عمل بهما الأبرار والصديقون وسكنت الجبال والبراري وشقوق الأرض من
أجل عظم محبتهم في الملك المسيح".
الاحد الاول من الصوم (احد الكنوز)