مجمع خلقيدونية


مجمع خلقيدونية




 

          في السَّابع عشر من مايو عام 450م أصدر الإمبراطور مركيانوس قراراً بعقد مجمع مسكوني في نيقية، ولكن تغير مكان الانعقاد إلى مدينة خلقيدونية[1]بسبب قربها من العاصمة[2]. كما أمر بأن يخرج الرهبان من المدينة، وذلك من أجل الحفاظ على السَّلام و الصَّفاء. بدأ المجمع أعماله في 8 أكتوبر، حضره أساقفة من الأماكن التالية: من سوريا الأولى 9 أساقفة، سوريا الثَّانية 8, سوريا 22، قيليقية الأولى 8، قيليقية الثَّانية 9،  الفرات 13، الرها 8، ما بين النهرين 6، المنطقة العربيَّة 18، فينيقية الأولى أو الساحليَّة 13، فينيقية الثانيَّة أو اللبنانيَّة 13. أما وفد روما فتكوَّن من الأسقفين باسكاسينوس ولوشنتيوس، و القسيسين بونيفاتيوس و باسيليوس، و انضم إليهم يوليانوس أسقف جزيرة كوس. وتكون وفد الإسكندرية من ديوسقوروس البطريرك ومعه 17 أسقفاً. كما جاءت وفود أخرى من اليونان و أسيا و تراقيه و أليرية و أفريقيا. ومثَّل الدولة الرومانيَّة أناتوليوس القائد، و بلاذيوس برايفكتوس الشرق، و تاثيانوس برايفكتوس العاصمة، بالإضافة إلى 15 موظفاً.  اجتمع في هذا المجمع - بما فيه الأساقفة المذكورون آنفاً - عدد يتراوح بين 500 و 600 أسقف، وكان كلّهم شرقيين تقريباً عدا موفدي البابا الروماني.

الجَّلسة الأولى

افتُتِحَتْ في كنيسة القدّيسة أوفيمية بخلقيدونية في الثامن من أكتوبر، بحضور الأساقفة المذكورين. وحضر ممثلو الدولة الرومانية، وجلسوا في الوسط أمام الباب الملوكي، وجلس عن يسارهم نواب روما القديمة وأناتوليوس أسقف روما الجديدة ومكسيموس أسقف أنطاكية. وجلس عن اليمين ديوسقوروس بطريرك الإسكندريّة، ويوبيناليوس أسقف أورشليم، ثم باقي الأساقفة من الجهتين. و يتَّضح من هذا أنَّ رئاسة المجمع كانت في يد السُّلطة الرومانيَّة[3].  ولكن كان لممثّلي البابا الحق في التكلُّم أوَّلاً[4] .
بعد الافتتاح، قال باسكاسينوس :" أمرنا أسقف روما بألاّ يجلس ديوسقوروس معنا، فإمَّا يخرج هو، أو نحن". فأجلس ممثلو السُّلطة ديوسقوروس في الوسط كمدعى عليه. و في البداية أظهر أساقفة مصر حماسهم في شجب ثيئودوريطوس أسقف قبرص، والذي كان قد خلعه لاون عن كرسيه، واعتبره عدواً لله.أمَّا الأساقفة الذين شاركوا في مجمع اللصوص، فحاولوا تقديم مبرِّرات عن نفسهم. أمَّا جوفينال أسقف أورشليم فقام و اتجه إلى جانب الكنيسة الشمال، فتبعه أغلب الأساقفة الأليريين مع أربعة أساقفة مصريين. إنَّ هذا التصرّف تسبَّب في انشقاق دائم في كنيسة مصر، و وضع ديوسقوروس في وضع لا يطاق، بالأخصّ لأنَّه أعلن أنَّ خلع فلافيانوس هو عدل لأنَّه نادى "بالطبيعتين بعد الاتحاد "؛ وقال إنَّ هذا ضدَّ ما سلَّمه الآباء، إنَّني أقبل طبيعة واحدة ولا أقبل الطبيعتين. وفي نهاية الجلسة اقترح ممثلو السلطة  عزله مع حلفائه الأليريين ويوفينال وثلاسينوس بطريرك قيصرية وباسليوس بطريرك  السلوقية و أوسابيوس بطريرك انقيرة[5]باعتبارهم زعماء التلصص في أفسس.               

     

الجَّلسة الثَّانية

          بدأت في 10 أكتوبر، و كان ديوسقوروس و المتهمون باللصوصيَّة في أفسس خارج المجمع. ذكَّر الآباءُ بأنَّه يُحرَّم إجراء أيّ تعديل في نص قانون الإيمان النيقاوي. أصغى الآباء إلى رسائل كيرلس التي وجِّهت إلى نسطوريوس ويوحنّا، و إلى طوموس لاون المرسل إلى فلافيانوس، وأكدوا أنَّ ما فيه هو إيمان الأجداد و أنَّ الطوموس كافٍ لدحض بدعة أوطيخا[6]، و أقروا بحرم من لا يؤمن بما جاء فيه، وقالوا :" إنّ بطرس تكلَّم بفم لاون "[7]. لكنَّ أساقفة فلسطين تردَّدوا، وطلبوا شرحاً للطوموس؛ و من ناحية أخرى، لم يتَّخذ أساقفة مصر أيَّ موقف، نظراً لغياب ديوسقوروس رئيسهم.       

الجَّلسة الثَّالثة

          بدأت في 13 أكتوبر في كنيسة مجاورة لكنيسة القديسة أوفيمية. تغيَّب في هذه الجلسة ممثِّلو السُّلطة الرومانيَّة؛ فأدارها باسكاسينوس ممثِّل أسقف رومة.
          بيَّن أسقف دورلة أخطاء ديوسقورس، كما انتقده أربعة من إكليروس الإسكندريَّة في تصرفاته مع أسرة سلفه كيرلس، حيث كان جشعاً وطمَّاعاً نحوهم. بعد ذلك، دعا المجمع ديوسقوروس ثلاث مرات، فلم يأتِ. و بعد نقاش، اقترح باسكاسينوس قطع ديوسقورس لأنَّه برَّأ أوطيخا، ولم يسمح بقراءة طوموس لاون في مجمع اللصوص بأفسس. فوافق على ذلك أناتوليوس و مكسيموس أسقف أنطاكية، وأيضاً أساقفة كثيرون. أمَّا الأساقفة المتهمون فندموا و نالوا الصفح[8]. وحرم المجمع ديوسقوروس، و نفاه الملك إلى غنغر، حيث مات هناك حوالي عام 454[9]. 

الجَّلسة الرابعة

          بدأت في 17 أكتوبر لكي تحل خلافاً نشأ بين فوتيوس أسقف صور، و أوسطاسيوس أسقف بيروت.  فقد شكا فوتيوسُ أوسطاسيوسَ لأنَّه أخذ ترخيصا من الملك ثيئودوسيوس بأن تكون بيروت كرسيّاً متروبوليتياً تخضع له أسقفيَّات جبيل والبترون و طرابلس و عرطوس و عرقا و طرطوس. فقرَّر الآباء عودة الأساقفة الذين نصبهم فوتيوس إلى كراسيهم التي عذلهم عنها أوسطاثيوس[10].  

الجَّلسة الخامسة

          بدأت في 22 أكتوبر. قرأ الآباء طوموس لاون على ضوء دستور الإيمان المقرَّر في المجمعين المسكونيين الأوَّل و الثَّاني، وعلى ضوء تحديدات كيرلس حسبما وردت في المجمع المسكوني الثّالث. فاعترف 13 أسقفاً مصرياً بارتباطهم بإيمان الأجداد، منذ مرقس إلى كيرلس، ورفضوا كلَّ آراء المهرطقين، و لكنَّهم لم يُبدوا أيَّ رأي عن أوطيخا، ولمَّا وبَّخهم آباء المجمع، برَّروا ذلك بأنَّهم يعملون بموجب القانون السادس المسنون في مجمع نيقية، و الذي يمنعهم من قطع أيّ رأي بدون موافقة أسقف الإسكندريَّة. و من ناحية أخرى، حاول برسوم الدفاع عن ديوسقوروس لكنَّه لم ينجح. فأخرجه الآباء هو والوفد الرهباني المرافق إياه[11].
          حدث أنَّه قامت من قبلُ لجنةٌ مختصة تمثِّل جميع الآراء الموجودة في المجمع، فأعدَّت صورة اعتراف يبتُّ في قضيَّة الطبيعة الواحدة، و تقدَّمت به في هذه الجلسة، فأقرَّه آباء المجمع. ونورد نص الاعتراف هنا لأهميته. «يعارض المجمع أولئك الذين يحاولون أن يقسِّموا سرَّ التَّجسُّد إلى ثنائيَّة عند الابن. وهو يُبعد عن المشاركة في الأسرار المقدَّسة من يجرؤون على التَّصريح بأنَّ لاهوت الابن الوحيد هو قابل للألم، ويخالف الذين يتصوّرون وجود مزيج ما أو خلط ما بين الطبيعتين ( fusi") في المسيح، وينبذ الذين يخالفون الصواب بقولهم إنَّ صورة العبد التي اتَّخذها الابن عندنا هي من الطبيعة السماويَّة أو من جوهر (ousia) غريب عن جوهرنا، ويبسل الذين اختلقوا تلك الأسطورة القائلة بوجود طبيعتين في الربِّ قبل الاتحاد وبطبيعة واحدة بعد الاتحاد. ففي خطى الآباء القديسين، نعلِّم كلُّنا مجمعين الاعتراف بابن واحد، ربِّنا يسوع المسيح، وهو نفسه كامل في اللاَّهوت وكامل في النَّاسوت، وهو نفسه حقاً إله وحقاً إنسان، مركَّب من نفس ناطقة ومن جسد، مساوٍ للآب في الجوهر بحسب اللاَّهوت، ومساوٍ لنا في الجوهر بحسب النَّاسوت، "في كلِّ شيء مثلنا ماعدا الخطيئة" (عب 4: 15). مولود من الآب قبل الدهور بحسب اللاَّهوت، ومولود، في هذه الأيَّام الأخيرة، من أجلنا ومن أجل خلاصنا، من مريم العذراء، أمّ الله، بحسب النَّاسوت. يسوع مسيح واحد، ابن وحيد، علينا أن نعترف به في طبيعتين، بدون امتزاج ولا تغيير ولا انقسام ولا انفصال. باتّحادهما لا يزول الفرق بين الطبيعتين، بل تحفظ بالأحرى خصائص كلٍّ منهما وتجتمع في شخص (prosopon) واحد و أقنوم  (upostasei") واحد. فهو لا يُفصل ولا يقسم إلى شخصين، بل هو ابن وحيد واحد، الله الكلمة، الربّ يسوع المسيح، كما علَّمنا الأنبياء عنه في الماضي وكما علَّمنا يسوع المسيح نفسه، وكما أخبرنا عنه قانون إيمان الآباء»[12].



          عقدت في 25 أكتوبر. حضرها الملك مركيانوس نفسه، وخطب فيها باللاتينيَّة ثمَّ باليونانيَّة. وحث الأساقفة على الحفاظ على الإيمان الواحد[13]. ثم تُلي التحديد الذي حدده المجمع، فوقَّع عليه الآباء، وصدَّق عليه الإمبراطور[14].

          عقدت في 27 أكتوبر. وافق فيها الآباء على الاتفاق بين مكسيموس الأنطاكي و يوفينال الأورشليمي وهو أن تظلَّ فونيقي الأولى، والعربيَّة تحت سلطة أسقف أنطاكية. وأن تكون اليهوديَّة و السامرة و الجليل خاضعة لأسقف أورشليم[15].

          في هذه الجلسة قام ثيئودوريطوس لأول مرة بقطع نسطوريوس و كلّ من لا يدعو مريم أم الله             (Qeotoko"  ) و يجعل من الابن الوحيد اثنين. تبعه في ذلك، صفرونيوس أسقف قسطنطينية الرها، و يوحنا أسقف مرعش؛ فاعتبرهم المجمع أرثوذوكسيين[16]. وتم إعادة ثيئودوريطوس أسقف قورش إلى كرسيه، بعد أن اعتقد بطوموس لاون وقرارات المجمع.

          في الجلسة التاسعة برأ الأساقفة أسقف الرها. وفي الجلسة العاشرة قرر الآباء رجوع يهيبا إلى كرسيه بعد أن حرم نسطوريوس و أوطيخا. أمَّا الجلسات من العاشرة إلى الثالثة عشرة فقد نظر خلالها الآباء في اختلاف نشأ بين الأساقفة، و تمَّ إيجاد حلول بعض المشاكل المتعلِّقة بآسيا.

          عقدت في 31 أكتوبر، من أجل النظر في دعوى سابينيان أسقف البيرة، الذي زاحم أسقفها أثناسيوس. فحكم الآباء بأن يبقى سابينيان، و وكَّلوا مكسيموس أسقف أنطاكية بأن يتحرَّى هذه الدعوى لمدة ثمانية شهور. و في ختام الجلسة، سأل بعض الحاضرين الآباء بأن يُنظر في مسألة تقدُّم كرسي القسطنطينيَّة، فرفض ذلك ممثِّلو البابا معلِّلين ذلك بأنَّ البابا لم يقل لهم أيَّ شيء عن هذا الموضوع.   

الجلسة الخامسة عشرة

          أقر المجمع 27 قانوناً. و جاء في القانون رقم 19 أنَّه إذا نشب خلاف بين إكليريكي و متروبوليت الإيبارشيَّة، ترفع الشكوى إلى إكسرخوس الولاية أو أسقف القسطنطينيَّة. و نصَّ القانون 29 على المساواة في الكرامة بين أسقفي روما الجديدة و روما القديمة. إلاَّ أنَّ الوفد الروماني اعترض، و لم يصدِّق على هذا القانون[17]. بعد ذلك، صدق الإمبراطور مركيانوس على قرارات المجمع، ومنع أتباع أوطيخا عن ممارسة صلواتهم. ونفى أوطيخا، فتوفي بعد ذلك بقليل، ونفى أيضاً ديوسقوروس إلى غنغرة[18]. 

أحداث ما بعد خلقيدونية

          في 17 فبراير عام 452م أمر مركيانوس بتطبيق جميع قرارات مجمع خلقيدونية، و كرّر أوامره في 13 مارس 452[19]. إلاَّ أنَّ كثيرين تشبَّثوا برأي ديوسقوروس و دافعوا عنه، خصوصاً في مصر، وامتدَّ ذلك إلى فلسطين و سوريا. و انتشرت المونوفيزيَّة في أغلب بلاد ما بين النهرين بعد وفاة الأسقفين ثيئودوريطوس و يهيبا. و انقسمت الأمَّة السريانيَّة إلى ثلاثة أقسام، قسم مع الكرسي الأنطاكي اعتقد بالطبيعتين و الأقنوم الواحد، ودُعي باسم الكنيسة السريانيَّة الملكيَّة. و قسم نادى بأقنومين، و دُعي باسم الكنيسة السريانيَّة الشرقيَّة النسطوريَّة. والقسم الثالث تبنَّى أفكار ديوسقوروس، و دُعي باسم الكنيسة السريانيَّة الغربيَّة المونوفيزيَّة[20]. 
و سنلقي نظرة سريعة على حال الكنيسة بعد المجمع في فلسطين أوّلاً ثم مصر.

كنيسة فلسطين

          سافر إلى فلسطين عدد كبير من النسَّاك القائلين بالطبيعة الواحدة، ظناً منهم بأنَّها عقيدة الآباء، و أن القول بالطبيعتين خروج عن العقيدة الصحيحة. وساعدتهم أفدوكية أرملة ثيئودوسيوس الثاني، بعد خلافها مع بولخيريا و زوجها، و نادت معهم بالطبيعة الواحدة. و لما عاد يوبيناليوس أسقف أورشليم بعد انتهاء المجمع، خيَّره الرهبان المعترضون بين رفض خلقيدونية و ترك كرسيه، فرفض. لكنَّ الرهبان هدَّدوه بالقتل، و اغتالوا سويريانوس أسقف بيسان، أمَّا سويريانوس فاستطاع الهرب إلى القسطنطينيَّة. و من ناحية أخرى، قام راهب معترض اسمه ثيئودوسيوس، وطالب بالاستغناء عن الأساقفة الخلقيدونيين، فأصبح بطرس الكرجي أسقفاً على مايومة، و ثيئودوسيوس أسقفاً على يافا. فأرسل الإمبراطور قائداً إلى فلسطين، للقضاء على المعارضة و إرجاع يوبيناليوس؛ فحدثت مقاومة من قبل ثيئودوسيوس وأتباعه، و نشبت معركة، قرب نابلس قتل فيها عدد كبير من الرهبان. و أخيراً لجأ الإمبراطور إلى الحلول السلميَّة، وكتب إلى رهبان وراهبات أورشليم و لاون الكبير، و أفدوكية أيضاً ليحثها على إنقاذ الرهبان من الضلال[21]. وأخيرا عمَّ الهدوء بفضل أفتيميوس رئيس الأديرة و رهبانه. و لكن من ناحية أخرى، تمركزت المقاومة المونوفيزيَّة في أنطاكية، و تمكَّن بطرس القصار المعارض لخلقيدونية من اعتلاء الكرسي البطريركي[22].       

كنيسة مصر

   طالب مركيانوس بانتخاب بيروتيريوس وكيل ديوسقوروس خلفاً له، فأصبح بطريركاً، و حدث نتيجة ذلك فتنة، راح ضحيتها عدد من الناس.
توفي ديوسقوروس في 4 سبتمبر سنة 454م. وعندما مات مركيانوس في 26 يناير عام 457م، قام تيموثاوس الهر و دعا إلى خلع بيروتيريوس، ثم قتله، وأصبح أسقفاً. كما عقد مجمعاً حرم فيه خلقيدونية، و قطع فيه أساقفة روما، والقسطنطينيَّة و أنطاكية[23]. و عمت الفوضى في الكنيسة، و كثرت السيامات الأسقفيَّة من الطرفين، وكثر خلع الأساقفة و تنصيب غيرهم، وحدث ذلك في سوريا أيضا. و من أهم أسباب هذه الفوضى، محاولة الأباطرة استرضاء المونوفيزيين في مصر و سوريا بسبب كثرة عددهم. و خوف السلطة الرومانية من أن تضعف هيبتها إذا نتجت مشاكل أخرى[24]. و من ناحية أخرى، ظلَّ معظم أساقفة مصر متمسكين بآراء ديوسقوروس. و لم يرتاحوا إلى تعبيرات خلقيدونية في طبيعتين، فقد ظنَّوا أنَّ في ذلك عودة إلى آراء نسطور. ومن جهة أخرى-كما ذكرت من قبل- لم يكن أساقفة مصر قد ميَّزوا بين كلمتي طبيعة وأقنوم. فنص خلقيدونية قد اعتمد تعبيراً غربياً لم يوفق في إعادة السلام إلى الشرق، فاستمرت الأزمة في مصر أكثر من قرن وأدى ذلك إلى انقسام كنيسة مصر عن الكنيسة الجامعة، ولا يزال هذا الانقسام إلى يومنا هذا [25] . وعموماً لم يكن الفرق بين تعبير المونوفيزيين والخلقدونيين إلا في الألفاظ بدون الجوهر، فان المصطلحات لم تستخدم بنفس المعنى في الشرق كما في الغرب. وفي ذلك الزمان لم يكن الحوار والتفاهم يتم بنفس ما يحدث في قرننا الحادي والعشرين. أضف إلى ذلك أنه وجد هناك محبة للرئاسة من قبل بطريرك الإسكندرية ولم يُرد أحد التنازل عن رأيه[26]ً اعتقاداً منه بأنَّه هو وحده الذي يملك الحقيقة. و في رأيي لو تمَّ في بدء انعقاد المجمع تحديد للمفاهيم والمصطلحات لما حدث هذا كلّه. ونحمد الله أنَّه تمَّ أخيراً التصديق على اتّفاق حول الكرستولوجيا بين البابا بولس السادس و الأنبا شنودة الثالث بطريرك الإسكندريَّة في الفاتيكان عام1973م ويتَّضح فيه إيمان الكنيستين السَّليم بيسوع المسيح الإله الكامل والإنسان الكامل.[27]



















الخاتمة



رأينا في الفصل الأول من هذا البحث أهم البدع التي ظهرت، و أهم المجامع التي قاومتها ومن خلالها ألقينا قليلاً من الضوء على بعض الأحداث. وذلك لكي نتمكن من فهم أفضل اما تم في مجمع خلقيدونية. من خلال ما سبق، يتضح لنا جلياً أنه لا يمكن فهم شيء في التاريخ بدون الرجوع إلى الحقبة التي سبقته. فالاختلاف الفكري واللفظي بين مدرستي الإسكندرية و أنطاكية ساهما مساهمة مباشرة في حدوث سوء تفاهم بينهما و بين  الإسكندرية أيضاً و الكنيسة اللاتينية. كما ساهم أيضا من ناحية أخرى قلة المحبة والعداء بين الكرسيين الأنطاكي و الإسكندري. ومثل هذه الأحداث ساعدت كلاً من الطرفين على ألا يصغي جيداً إلى الآخر، مما أدى إلى حدوث هذا الانشقاق المرير. و أخيراً من خلال هذا البحث يظهر لنا بوضوح، أن المونوفيزيين انفصلوا لأنه بحسب مصطلحاتهم ما قالته الكنائس الأخرى هو هرطقة. وحرم آباء خلقيدونية من ينادي بالمونوفيزية، لأنه بحسب مصطلحاتهم وتحديداتهم ما قاله المونوفيزيون هرطقة. و في رأيي كان لكل من الطرفين الحق فيما قاله. و يجب علينا نحن أبناء القرن الحادي والعشرين ألا نقع في ما سقط فيه آباء القرن الخامس، بل أن نعمل جاهدين معاً في فهم أكبر لإيماننا المسيحي، و ألا نتمسك بنفس مصطلحات القرن الخامس بل يمكن استبدال الألفاظ بما يعبر بطريقة أفضل خالية من كل التباس. وأن نسعى أخيراً لأن نوضح أن ما كان سبب انشقاق في القرون الغابرة لم يعد الآن يسببه، فما تم في مجمع خلقيدونية تؤمن به الكنيستان الخلقيدونية وغير الخلقيدونية على السواء. وهذا ما يتضح للجميع من خلال البحث التاريخي المحايد.







قائمة المصادر و المراجع



   المراجع الأجنبيَّة
W.H. Frend «Chalcedon» in The Coptic Encyclopedia VOL2, New York 1991  -1
2-S. Fergusan – D. wright New Dictionary Of Theology,  U.S.A. 1988, P P  381-382
                                                            
المراجع العربيَّة

1.     أسد رستم، كنيسة مدينة الله أنطاكية العظمى، (= مجموعة الدكتور أسد رستم،20) بيروت، 1988.
3.     الدرة النفيسة في شرح حال الكنيسة، ترجمة استفانوس قوميطا، أورشليم، 1867.
5.     جان موريس الدومنيكي، الكنيسة السريانية الشرقية، (= الثقافة المسيحية 1)، بيروت 1990.
6.     جرفيه دوميج، الإيمان الكاثوليكي، بيروت،1999.
7.     سمير نوف، تاريخ الكنيسة المسيحية، ترجمة الكسندروس جَحَا، حِمْص 1964.
8.     صبحي حموي ، معجم الإيمان المسيحي، بيروت 1994.
9.     فاضل سيداروس، المسيح في تقليد الكنيسة، (= دراسات لاهوتيَّة، 6) بيروت، 1992.ٍ
10. كامللو باللين، تاريخ الكنيسة، (= دراسات و أبحاث، 4)، الخرطوم، 1994.
11. مكاريوس توفيق(الأنبا)، و آخرون، دليل إلى قراءة تاريخ الكنيسة، المجلد الثاني، بيروت 1997
12. ول ديورانت، « الكنيسة في القرن الخامس»، في موسوعة قصة الحضارة، مجلد 12، ترجمة محمد بدران، بيروت1998.
13. يعقوب نخله روفيله، تاريخ الكنيسة القبطية، القاهرة 2000 2.



الفهرس



[1] « مدينة قديمة من مدن بتينية في أسيا الصغرى، كانت تقع قبالة القسطنطينية، وهي اليوم كاديكوي ». صبحي حموي، مرجع سابق ص 205.
[2] راجع أغناطيوس ديك، الشرق المسيحي، (=تراثنا 2) بيروت 1975، ص 38. 
[3] راجع أسد رستم، مرجع سابق، ص 339.
[4] C.F. W.H. Frend, p 512
[5] C.F. W.H.Frend, p 513
[6] راجع أسد رستم، مرجع سابق، ص 340.
[7] راجع بهنان هندو، مرجع سابق،ص 137.
[8] راجع أسد رستم، مرجع سابق، ص 341-342.
[9] راجع بهنان هندو، مرجع سابق، ص 173.
[10] راجع المرجع السابق، ص 138.
[11]راجع أسد رستم، مرجع سابق، ص 340.  
[12] جرڤيه دوميج، مرجع سابق، ص184-185.
[13] راجع بهنان هندو، مرجع سابق، ص 138.
[14] راجع أسد رستم، مرجع سابق، ص 340. 
[15]راجع بهنان هندو، مرجع سابق، ص 138.
[16] راجع أسد رستم، مرجع سابق، ص 343.
[17] راجع بهنان هندو، مرجع سابق، ص 138.
[18] راجع أسد رستم، مرجع سابق، ص 344.
[19] راجع  المرجع سابق، ص345.  
[20] راجع بهنان هندو، مرجع سابق، ص 139.
[21] راجع أسد رستم، مرجع سابق، ص 347-348.
[22] راجع أغناطيوس ديك، الشرق المسيحي، (= تراثنا 2)، بيروت 1975، ص 39-40.
[23] راجع، أسد رستم، مرجع سابق، ص 348.
[24] راجع أسد رستم، ص 351.
[25] راجع اغناطيوس ديك، مرجع سابق، ص39.
[26] راجع يعقوب نخله روفيله، تاريخ الكنيسة القبطية، القاهرة 2000 2، ص 27-28.
[27] لقراءة نص الاتفاق اقرأ اسكندر وديع، وآخرون، تاريخ الكنيسة القبطية الكاثوليكيَّة، القاهرة2000، ص 61-63.    


      

التعليقات
0 التعليقات
شكرا لك على التعليق

اشترك فى القناة