الإمبراطورية الرومانية
·
مدينة روما
تأسست مدينة روما سنة 753 ق.م. وفي القرن الأول قبل الميلاد أخضعت كل بلدان
حوض المتوسط لسيطرتها. فاحتل بمبيوس أورشليم سنة 63 ق. م. وأحتل يوليوس قيصر غاليا
(فرنسا) سنة 50 ق. /. وضم أقتاڤيوس قيصر مصر إلى الإمبراطورية
سنة 30 ق. م.
لم تكن الجمهورية الرومانية في بدء أمرها سوى مجرد دويلة، لم تكن قوانينها
صالحة لإحكام القبضة على كل أطراف الإمبراطورية التي تكونت.
لما أصبح أقتاڤيوس قيصر أميراً، أقام نظام ينظم هذه الإمبراطورية، التي
ولدت رسمياً سنة 27 ق. م. وجعل على رأسها الإمبراطور (القائد المنتصر) يليه القيصر (أبو
الإمبراطور بالتبني). في هذه الفترة انتهى عصر الحرب الأهلية وبدا عهد السلام
الروماني، منذ ذلك الوقت أصبحت دول حوض المتوسط تؤلف كياناً سياسياً وإدارياً
موحداً، وكان المسافر يمر داخل دول الإمبراطورية كأنه يسافر داخل بلدة واحدة.
كانت الإمبراطورية تقسم إلى ولايات يعين الإمبراطور أو مجلس الشيوخ في روما
ولاتها، كولاة أو حكام أو مفوضون، أما في المقاطعات البعيدة فيبقى بعض الملوك
يتمتعون بسلطات محدودة، أما إذا أظهروا نزعة للاستقلال، كانت روما تستبعدهم وتعين
مكانهم أشخاص يدينوا بالولاء لهم.(لو3/1-3) (رسل13/6-7 و 18/12 و 23/26 و 24/27).
كانت الحاميات العسكرية موزعة في كل مكان للحفاظ على السلام في
الإمبراطورية، في حين كانت القوانين تساهم في خلق وحدة تشريعية، لم يكن تعاقب
الأباطرة يتم بدون مشاكل، ويختلف المؤرخون في حكمهم على خلفاء أوغسطس قيصر من
أمثال كاليجولا ونيرون، ولكن يجمع الجميع على قيمة فسبازيانوس وطيطس، ويتفق الجميع
على سلالة الأنطونيين في القرن الثاني الميلادي (من طرايانس حتى ماركو أوريليو) قد
أوصلت الإمبراطورية إلى أوجها.
مدن الإمبراطورية
يجب ألا نتصور الإمبراطورية دولة مركزية في كل المجالات فالوحدة الأساسية
في الإمبراطورية تبقى المدينة عكس الزمن اليوناني الذي أفقد المدينة أهميتها، ففي
الإمبراطورية الرومانية كان للمدينة أهمية كبرى واحتفظت بالكثير من استقلالها في
إدارة شئونها الداخلية، وكانت المدينة تشمل إدارياً أيضاً القرى المحيطة بها.
المواصلات في
الإمبراطورية
كان الأشخاص والبضائع تنتقل من أقاصي الإمبراطورية إلى أقاصيها في طرق
ممهدة أمنة، كذلك الطرق البحرية كانت موجودة وسريعة ولكن خطرة(2قو11/ 25-27)، (أثر
هذا بشدة في سرعة نشر البشارة المسيحية). وهذا يجعلنا نفهم أن الإنجيل بشر به
أولاً في المواني البحرية، ثم على طول محاور الطرق والوديان.
كان السفر من الأعمال المنتشرة بين سكان الإمبراطورية فكانوا يسافرون
لأعمالهم ولدروسهم مثلاً: يذهبون لأثينا طلباً للفلسفة ولبرغامس طلباً للطب، وكان
الجنود مجبرين على السفر لتنقلهم من حامية لأخرى. كما كانت تجارة العبيد رائجة
وكانت قوافلهم تسافر لمسافات كبيرة سيراً.
كان سهلاً على أي أحد أن يجد له أقارب أو أصدقاء دائماً في المدن الكبرى
كالإسكندرية وأنطاكية وروما وكورنثوس ليحل
عليهم ضيفاً.
كانت خدمة البريد من اختصاصات الإدارة، فكانوا يسلمون الرسائل إلى
المسافرين وكانت الرسالة تظل خمسون يوماً كي تصل من ليون إلى أفسس.
الوحدة الثقافية
كانت الإمبراطورية الرومانية تجمع عدة شعوب تحافظ على عاداتها ولغاتها
وثقافاتها، وكان مسيحيو فلسطين الأوائل يتكلمون الأرمية (لغة يسوع)، كما كان
غيرهم يتكلمون لغات سامية قريبة منها
كالسريانية. لكن اللغات التي فرضت سيطرتها على الإمبراطورية هما اليونانية
واللاتينية
اليونانية: كانت في الأصل لغة
بعض المدن فأصبحت بعد فتوحات الإسكندر (356-323)، لغة كل الشرق المعتمدة، كانت
اليونانية التي حلت محل عدة لهجات محلية تدعى الشائعة، ولم تكن اليونانية لغة
الثقافة فحسب بل أيضاً لغة التجارة الدولية، وانتشرت في روما وفي كل مدن الغرب، من
هنا نفهم لماذا اليونانية هي لغة الكنيسة الأولى، ولما كان المسيحيون الأوائل
يستخدمون الترجمة اليونانية المعروفة بالسبعينية، ولما كتب العهد الجديد
باليونانية وكذلك الكتب المسيحية والنصوص الليتورجية حتى القرن الثالث في روما
نفسها كانت باليونانية.
اللاتينية: هي لغة مدينة روما
ثم لغة الغرب، كانت في البداية أقل انتشاراً من اليونانية، لكنها بقيت لغة الإدارة
والحقوق في الإمبراطورية كلها، واستعملت في الكنيسة كلغة عادية في الشمال الأفريقي
الغربي منذ نهاية القرن الثاني، ثم في روما ومن ثم في كل الغرب المسيحي من القرن
الثالث.
بمقدار
ما استعمل المسيحيون هاتين اللغتين دخلت في الكنيسة أساليب تفكير أغنتها فالفلسفة
اليونانية استعملت كتهيئة لدراسة علم اللاهوت
(وأدت المبالغة في استخدامها إلى السقوط في الهرطقة)، أما اللغة اللاتينية
فقد استعملت في الحقوق الرومانية لخلق إطار قانوني للجماعات المسيحية فيما بعد.
الدين في
الإمبراطورية الرومانية
صادف
الدعوة المسيحية في الإمبراطورية الرومانية مذاهب دينية قوية لكنها شديدة التباين
في نفس الوقت، كان من شأن هذه المذاهب مقاومة الدعوة والديانة الجديدة، ولدراسة
الحياة الدينية الرومانية القديمة سنتعرض لها في نقاط فرعية هي:
1.
الديانات التقليدية
عند
دراسة الديانات التقليدية القديمة لابد من التمييز بين ديانة الريف وديانة
المدينة، فديانة الريف لا تتغير من وقت لأخر وتتركز حول عبادة الطبيعة بشكل أساسي،
فآلهة الريف هي آلهة تحفظ المزروعات والقطعان والينابيع.
أما
المدن فلكل مدينة آلهتها، وحدث دمج بين آلهة الرومان واليونان، مع نمو المدنية في
الإمبراطورية آخذت هذه العبادات تتوارى لأنها لم تعد ترضي العقول المستنيرة، لكن
العامة حافظوا على مظاهر عبادات هذه الآلهة كتقاليد متوارثة.
حاول
بعض الأباطرة أحياء عبادة آلهة الأجداد كنوع من تحقيق الوحدة في الإمبراطورية
كأوغسطس قيصر الذي أعلن أن الاشتراك في مراسيم العبادة في الإمبراطورية هو عمل
وطني على جميع المواطنين الاشتراك فيه.
2.
عبادة الإمبراطور
أتت
هذه العبادة من الشرق حيث نماها الملوك الهيلينيين خلفاء الإسكندر الأكبر، ظهرت في
الغرب كحركة جديدة حينما حاول الأباطرة الرومان تعميمها في سائر أنحاء
الإمبراطورية، وكان الهدف من هذه العبادة هو خدمة السياسة، لكنها اختلفت من الشرق
عنها في الغرب ففي حين كان الإمبراطور يؤله في ولايات الشرق أثناء حياته كان في
ولايات الغرب يؤله بعد موته.
كانت المشاركة في
أفعال عبادة روما والقيصر تعد نوعاً من الولاء السياسي. لم تصبح عبادة الإمبراطور
إلزامية إلا في القرن الثالث الميلادي، قبل ذلك كان الحكام والجنود فقط يشاركون
فيها وحدهم دون العامة.
3.
ديانات أخرى
ظهرت
في المجتمع الروماني في أوائل العصور المسيحية مجموعات متباينة من التيارات الروحية المختلفة،
لأن عدد كبير من سكان الإمبراطورية أضحوا من المقتلعون من جذورهم كالجنود
والموظفون والعبيد، وبالتالي فقدت آلهة المدن والطبيعة الكثير من أهميتها، وبدأ
الكثير في مسيرة البحث عن آله.
فلجأ
المثقفون إلى عبادة إله واحد منزه، ولجأ بعضهم إلى عبادة الواجب الذي يجب إتمامه
وتحمل المشاق من أجله، وأخذ آخرون في التمسك بالفلسفة الرواقية التي تلزم بالخضوع
لنظام الكون.
تيار
أخر كان أكثر قوة ولا سيما في الأوساط الشعبية هو التيار المتجه نحو الديانات
الشرقية، فقد نقل الكثير من المواطنين الجد للغرب ديانات أسيا الصغرى ومصر، ومن
هذه الديانات الأكثر انتشاراً ديانة إيزيس المصرية وديانة قترا الفارسية وديانة
قوبيل-أتيس الفريجية (آسيا الصغرى)
كانت
هذه الديانات تنموا بسرعة في روما لبحث الناس عن دين مشبع يخفف القلق، ولنهمهم
لتجريب كل ما هو جديد، لكن مع ذلك ظل هناك كثيرون متمسكون بالديانات القديم كنوع
من الحفاظ على الهوية.
العلاقات
الاجتماعية في المجتمع الروماني
تميز المجتمع الروماني بأنه مجتمع قاسي على الضعفاء، فقد
كان الاقتصاد القديم قائماً على العبودية، فالعمل اليدوي الذي هو عمل العبيد كان
محتقراً. كان ثلث عدد السكان في بعض المدن من العبيد الذين لم يكن لهم وفق قوانين
المجتمع أي حقوق، فلا حق له في الزواج ولا أن يتملك شئ، كان للسيد في عبيده حق
الحياة والموت، في حين كان ينادي أتباع الرواقية بأهمية معاملة العبيد كبشر متساوون
ولعل هذا ما روج لها في الأوساط الدنيا.
كان العبيد كانوا يتخلصون من عبوديتهم بالإعتاق، لكن حتى
الأحرار لم يكنوا متساوين فيما بينهم فقد كانت الطبقية تحكم المجتمع الروماني. في
الولايات التابعة كان هناك تمييز واضح بين من يحملون الجنسية الرومانية وغيرهم.
كان من حق المواطنون أن يرفعوا دعواهم للإمبراطور مباشرة
في حالة تظلمه من حكم جائر(رسل 25/12 و 26/32). ولكن كان هناك تمييز داخل
المواطنين أنفسهم يتم بناء على الثروة والمركز الاجتماعي. في مدينة روما كان
الكثير من المواطنين فقراء يعيشون على الحنطة التي كانت الدولة توزعها مجاناً كما
كانت ألعاب السيرك التي تنظمها الدولة أيضاً مجاناً لهم (الخبز والألعاب).
التميز
الجنسي
الحضارة
اليونانية والرومانية حضارة سيطرة الرجل،
فالمرأة تعتبر قاصرة، تكلم كثيرون عن
تحريرها، ووصفها بعض الشعراء أنها تتزوج لتطلق وتطلق لتتزوج ولا منفعة لها إلا في
خدمة الرجل، رغم هذا كانت النساء الثريات متحررات من هذه النظرة كذلك نساء البلاط،
أما الفقيرات اللواتي يطلقن فكان يحكم عليهن بالتسول أو الدعارة حتى يتمكن من
العيش.
كذلك كان الأطفال محتقرون فبإمكان الأب أن يرفض وليده
فيقتل أو يعرض للموت، أو يجمعهم أحدهم ويربيهم ليبيعهم كعبيد، وكانت التربية قاسية
وغالباً يقوم بها عبد مكلف بتربية الأولاد.
للاب روفائيل امجد