تفسير الكتاب المقدس | مقدمة تفسير سفر المزامير

تفسير الكتاب المقدس | مقدمة تفسير سفر المزامير 






كلمة "مزمور" هي بسهولة ترجمة للكلمة اليونانية "psalmoi"، وهي بدورها ترجمة للكمة العبرية "mizmor". والكلمة في صيغة المفرد كانت تعني أساسًا صوت الأصابع وهي تضرب ماكينة موسيقية وترية، صارت في وقت لاحق تعني صوت القيثارة، وأخيرًا اُستخدمت لتعني غناء نشيد على القيثارة.

الاسم العبري لذلك الكتاب هو "سفر تهليم" أي "كتاب التهليلات أو التسابيح". فسواء كان الإنسان فرحًا أو حزينًا، متحيرًا أو واثقًا، الغاية من تلك الأغاني هو النشيد والهتاف بمجد الله. إنها تقودنا إلى المقادس حيث يتربع الله على تسبيحات شعبه كعرش له (مز 22: 3).

في حين يعطينا سفر أيوب ردًا على السؤالين الآتيين: لماذا تبقى الضيقات في حياتنا؟ وكيف نعالج إشكالية الوجع والمعاناة، يقدم لنا سفر المزامير بدوره ردًا على سؤالين آخرين: كيف نعبد الله في عالم شرير؟ وكيف توجد أنقياء ونحن نُضطهد. في أيوب يتعرف المرء على ذاته، في حين يتعلم في سفر المزامير أن يعلم الله وأن يكون في التصاق وثيق به.

كلمة إسترشادية (مفتاح السفر):
المفردات التي تُعتبر مفتاحًا للسفر هي: "ثقة، تسبيح، فرح، رحمة"؛ تتكرر تلك المفردات مئات المرات في ذلك السفر.

تعلمنا المزامير كيف نفرح واثقين في الله، وكيف نسبحه بكلمات أوحى بها الروح القدس.

المزامير والكنيسة المتهللة:
لأجل أن نفهم دور سفر المزامير في حياة الكنيسة نقتبس مفردات Mircea Eliade: [من الممكن أن يُصرح بحق إن العبرانيين هم أول من أكتشفوا فحوى الزمان الماضي كظهور إلهي[3]]. فقد اكتشفوا أن الله ليس حصرا مصدر وجود الإنسان بل هو أيضًا مصد وجود شعبه. ففي  مصر خلق شعبًا من عدم، وخلصهم من العبودية. ودخل معهم في ميثاق. كان لتاريخهم كيانًا أثناء شركته معه، إذ رافقهم في البرية، ودخل معهم أرض التوقيت وأقام لهم الملك التقي الأول (داود) كملكه هو. في مواجهة ذلك كله لم يقف الشعب صامتًا، بل رفعوا أصوات الهتاف والتسبيح؛ وفي وقت الضيق في شجاعة أثاروا أسئلة وقدموا له شكواهم، فقد اختارهم ليدخلوا معه في حوار أفضل أمثلة لتلك المعاملات (والحوار بين الله والإنسان) نجدها في سفر المزامير[4].

أما فيما يتعلق للكنيسة المسيحية فهي في حقيقتها جماعة تسبيح وترتيل، وُلدت مثلما في أنشودة مفرحة. إنجيلها (بشارة مفرحة) يجيء ومعه على مسرح الزمان الماضي خورسًا من التسابيح والتماجيد لله[5]. فالكرازة بالبشارة المفرحة (الإنجيل) في العصر الرسولي لم تقم على نظرة لاهوتية جافة، مقدمة بأسلوب باردة منعزلة عن الحياة الشخصية للمؤمن، إنما اُستقبلت بقلوب ملتهبة تتحرك في خبرة الفرح الشقيقَّاذ الذي يسبي الذهن (أع 2: 1-13، 47؛ 3: 8؛ 5: 41، 42؛ 8: 39؛ 13: 52). حقًا إن ملكوت الله هو فرح في الروح فلسطين (رو 4: 17)[6]!

في السيد المسيح نكتشف الكنيسة بكونها رمز السماء وملكوت الله المملوء فرحًا. يرغب في الله لشعبه أن يمارس حياة الفرح فيّه، كعلامة التمتع بالحياة الداخلية المقامة في المكسيح وكعربون المؤسسة في السمويات عينها. تعكس المزامير ذلك المنحى السماوي لوجودنا. يقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص: [إن التسبيح بالمزامير يجعلنا مساوين للملائكة في الكرامة]. ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [إنها توحدنا بهم]. ويكتب القديس باسيليوس العظيم: [ماذا يمكن أن يشكل أكثر مسرة وغبطة للإنسان من أن يتشبه بالملائكة في ترنمه بالتسابيح، فيبتدئ يومه بالصلاة والتسبيح وتمجيد الخالق بالترانيم والأغاني؟![7]]. وأتى في التقليد الحاخامي أنه قد عُلقت قيثارة على مضجع داود[8] (أي يكمل يومه مثلما يبدأ بالعزف عليها مسبحًا الله قبل نومه وعند استيقاظه).

يقول William Plumer: [تُتلى (المزامير) وتتكرر تلاوتها وتُسبح ويُغنى بها وتدرس وتستخدم في سكب الدموع وأثناء الفرح، وتُفسر كما تُحب ويُمجد بها (الله) وذلك بواسطة شعب الله عبر آلاف السنوات].

وجد المسيحيون واليهود على السواء -عبر القرون- في مفردات المزامير الشدة الروحية ولغة التسبيح في آلامهم مثلما في انتصاراتهم. وُضع عديد من المزامير من أجل استعمالها في العبادة في الهيكل (مز 24، 118، 134، 145). في الكنيسة الأولى كانت مزامير العهد القديم تتلى بنظرة مسيحية بكونها تصويرًا مسبقًا ونبوات عن السيد المسيح، مثلما قامت الصلوات الأولى التي رفعتها الكنيسة الأولى في سفر الأفعال على المزامير (أع 4: 24-30).

يسجل الكتاب المقدس العديد من التسابيح والأناشيد أو المزامير التي تغنى بها شعب الله أو ترنم بها أفراد؛ من أمثلة هذا: تسبحة لامك (تك 4: 23-24)؛ تسبحة مريم أو موسى النبي (خر 15)؛ تسبحة البئر (عد 21: 17-18)؛ تسبحة دبورة (قض 5)؛ تسبحة حنة (1 صم 2)؛ تسبحة يونان (يونان 2)؛ تسبحة حزقيال (إش 38: 10-20)؛ تسابيح إشعياء (25: 1-12؛ 26: 1-20)؛ تسبحة الثلاثة فتية (دا)؛ مزمور زكريا (لو 1: 68-79)؛ المجدلة Magnificant للقديسة مريم العذراء (لو 1: 55)؛ البركة Benedictus لزكريا (لو 2: 67-79)؛ المجدلة العلوية Glorian Excelsis للملائكة (لو 2: 13-14)؛ تسبحة الانطلاق Nune Dimittis لسمعان الشيخ (لو 3: 28: 32)؛ تسابيح القديس بولس (أف 5: 14؛ 1 تي 3: 16؛ في 2: 6-11؛ كو 1: 15-20؛ عب 1: 3)، تسابيح القديس بطرس (1 بط 1: 18-21؛ 2: 21-25؛ 3: 18-21)؛ تسبحة الأربعة مخلوقات الحية (رؤ 4: 8)، تسبحة الأربعة وعشرين قسيسًا (رؤ 4: 11)، الترنيمة الحديثة (رؤ 5: 9-10) إلخ... بجوار تلك التسابيح وغيرها الواردة في الكتاب المقدس يبقى سفران مخصصان للتسابيح، هما المزامير ونشيد الأناشيد.

*    التسبيح بالمزامير لشفاء النفس.

القديس أثناسيوس الإسكندري

*    أي كائن له القوى الخمس يلحق به الخزي إذا لم يبدأ نهاره بمزمور، فإنه حتى أصغر الطيور تبدأ يومها وتنهيه بتراتيل عذبة في عبارة مقدسة!

القديس أمبرسيوس

*    أغلب الناس لا يعرفون شيئًا عن الأسفار الأخرى، أما المزامير فيكررون تلاوتها في البيوت والشوارع والأسواق، هؤلاء الذين يحفظونها عن ظهر قلب، ويشعرون بالشدة المريحة التي تكمن في تسابيحها المقدسة.

الأب ثيؤدور من الميصة (ما بين النهرين)

*    المزامير هي قصائد شعرنا، أغاني حبنا، هي مرعانا وتدبيرنا.

برقية باولا وايستوخيوم إلى مارسيلا

*    يقول واحد من القديسين: ليكن تسبيح المزامير متواصلًا، فإننا إذ نذكر اسم الله تهرب الشياطين.

الأب مارتيروس

التعليقات
0 التعليقات
شكرا لك على التعليق

اشترك فى القناة