كيف تتعامل مع الاطفال



كيف تتعامل مع الاطفال


«ركّز في ما أقوله ... انتبه ... إفتح ذهنك ... خلّيك معي!» عبارات كثيرة من هذا النوع نقولها للأطفال حين لا ينتبهون إلى ما يُقال، أو يتشتّتون، ولا يركّزون على ما يُقالُ لهم في الدرس أو في سائر نشاطات الحياة الحيويّة اليوميّة. ويظنُ الكبار أنَّه، وبسهولة، يكفي أن نطلب من الطفل التركيز حتى يقوم بهذا التركيز. ولا يدركون أنّ هذا الإيعاز سيزيد من التوتّر عند الطفل، فنراه غالباً لا يدري ما سيفعله.
يميِّز علماء التربية، خصوصاً المُتأثرين بأعمال أنطوان دو لا غاراندوري* Antoine de la Garanderi حولَ «التنظيم الفكري»، مجموعتين من البشر تُقابل كلٌّ منهما طريقة لتجميع المعارف أو إدارتها: المجموعة البصريّة والمجموعة السمعيّة. وتستخدم كلّ مجموعة منها أحد نصفي الدماغ بنسبة أكثر أو أقل. وكلُّ فرد هو خليط دقيق من المجموعتين.

المجموعة البصريّة

يفضِّلُ الطفل الّذي ينتمي إلى هذه المجموعة المعلومات البصرية، ويستخدم بشكلٍ أكبر «الجزء الأيمن من الدماغ». وهذا الطفل موهوب بحفظ الصور. وحين يتلقّى معلومةً، يفهمها ويعالجها بطريقةٍ عامّة وعموميّة. عفوي، نشيط جسديّاً، يشعر بالحاجة إلى الحركة، ولديه صعوبة في التركيز.
المجموعة السمعيّة
يفضِّلُ الطفل الّذي ينتمي إلى هذه المجموعة المعلومات السمعية، ويستخدم بشكلٍ أكبر «الجزء الأيسر من الدماغ». يتعلم هذا الطفل بشكلٍ أفضل من خلال الكلمات، ويحلِّل المعطيات قبل حفظها. إنّه قادر على استعمال الرموز، وهو ولد هادىء، جاد، يفكر قبل أن يتصرَّف.
في اللقاء الدينيّ، يحوي الصفّ مجموعتيّ الأطفال هذه معاً. وهذا أحد أسباب صعوبة الانضباط الصفّيّ. فبينما تستطيع الفئة السمعيّة التركيز على ما يقوله المربّي، يتشتّت انتباه الفئة البصريّة. وقد لوحظ أنّ غالبيّة الأطفال تصبح بصريّة بسبب كثرة ساعات التفرّج على التلفزيون منذ الطفولة المبكّرة. ممّا يجعل استخدام الطرائق البصريّة أمراً محتّماً من أجل نجاح اللقاء الدينيّ. فنحن لم نعد في زمن المطالعة، ولا حتّى سماع الأغاني، إذ يشيع اليوم التفرّج على الأغنية لا سماعها فقط.
يدخل الطفل في سن التجريد في حوالى الثامنة من عمره. إنها المرحلة التي يتعلَّم فيها استعمال المفاهيم. ففي المدرسة مثلاً، يبدأ في الحساب بتعلّم عمليّة القسمة. هذه الفترة حاسمة لمواجهة المرحلة التالية بشكلٍ جيد، ألا وهي سن التنظيم الّذي يبدأ في الصف السادس، أي سن الحادية عشرة. بشكلٍ عام، يُحدِّد المربون الصعوبات في التركيز عند الطفل ما بين سن السابعة والثانية عشرة.
سن أولى طرائق التفكير
يكتشف الطفل ما بين السابعة والثانية عشرة فائدة التركيز ومنافعه، لتنمية التفكير العقلي ومعالجة الأفكار. فإذا استطاع التركيز في هذا السن، يصبح قادراً على:
بناء معارفه :
يحتاج الأطفال بين 7- 12 سنة إلى شحذ كل انتباههم كي يتمكنوا من الفهم والمقارنة وإقامة الروابط. حينها، يستطيعون قياس ما تعلموه والقيام بالاختيار: «ما الذي يهمني من لقاء التعليم المسيحي؟»
النمو بين الواقع والخيال :
صحيح أنّ الأولاد بين 7- 12 سنة يميلون إلى التخيُّل. لكنّهم يتعلَّمون أيضاً التفرقة بين أحلامهم والواقع. فإذا غاصوا غوصاً عميقاً في عالم الخيال، فإنّ هذا يُبعدهم عن الواقع، ويجعل تركيزهم ضعيفاً تجاه المعارف الجديدة.

 الاستبطان :

إنّ الحياة الداخلية للطفل تُبنى باكراً جدّاً. ولكنها تتوضَّح أكثر ما بين 7- 12 سنة. في الواقع، يعيش الطفل في هذا السن أوقاتاً من الوحدة، ويتعلَّم التفكير في المواضيع الاجتماعيّة والمشكلات العائلية. فيختبر هكذا حياته الداخلية التي هي عالم حريته. فهناك إذاً توازن، ذهاب وإياب، بين الانفتاح على العالم والآخرين وبين العالم الذي يكتشفه في ذاته. فإذا كان هذا التوازن مُهدَّداً بكثير من الإغراءات والمتطلّبات، فإنَّ الطفل سيُلاقي صعوبة في التركيز. 

التحاور :

يَبني الطفل ذاته من خلال الحوار والتبادل مع مُحيطه. فالحوار التربوي الذي أوصى به أنطوان دو لا غاراندوري يصبو إلى استقلاليّة الطفل الفكريّة، لأنَّها ضروريّة من أجل نموّ التفكير العقليّ. ويُصبح الطفل الفاعل الأساسي في نجاحه، حين يعي القدرة والحرية اللتين في داخله، واللتين تجعلانه يطبّق خطّته الشخصيّة في التركيز. في لقاء التعليم المسيحي، يساعده كلام الآخرين على اكتشاف أساليب متنوّعة من الفهم للإيمان، فيزيد هذا من سموّ طبيعة علاقته بالله.

                                           العوامل المساعدة

الجماعة :
اللقاء الديني، بالنسبة إلى كثير من الأطفال، هو مكان يتدرّب فيه على قوانين الجماعة الصغيرة ومتطلباتها. والمشاركة ضمن مجموعة يُشجِّع على مجابهة وجهات النظر، ويتطلَّب الإصغاء إلى الآخر، والتحكيم العقليّ وإيجاد البراهين. جميع هذه التمارين تجبِر على التركيز.
القصص :
يُنَّمي الطفل قدرته على التركيز بفضل القصص. ففي الواقع، مُتابعة سرد الحكاية يتطلَّب الاستماع بانتباه والتركيز. ويوَفر المربّي للطفل فرصةً يلتقي فيها، من خلال النصوص، شخصيات الكتاب المقدَّس وقديسين من الماضي والحاضر ... وتُغذيّ خبرة هذه الشخصيات حياة الطفل الداخلية، وتسمَح له بتنمية مشروع حياته الخاص.
 العالم الخارجي :
إنَّه السن الذي يبدأ فيه الصغار بالاهتمام بالعالم الخارجي وكيفية عمله. الكومبيوتر، التلفزيون، هي خطوط مهمّة. عندما يكون الطفل فعَّالاً في طريقة نظره إلى وسيلتيّ الإعلام هاتين، فإنه يُجنِّد حواسّه. وهذا يساعد على تشكيل روح النقد عنده.
اللعب :
الأولاد بين 7- 12 سنة يحبون اللعب. إنهم يجندون طاقتهم وفضولهم تحتَ شكل أسئلة وأجوبة. ويُرَكز الطفل لكي يربح. والألعاب التي تدوم وقتاً أطول في الفريق تجعله يعيش أحاسيس وتجارب تقوده إلى التفكير في علاقته بالآخر وبالعالم. في لقاء التعليم المسيحي، يمتد هذا التفكير ليشمل معنى الحياة وعلاقته مع الله.
الصلاة :
الصلاة هي، نوعاً ما، الانتباه إلى لله. يُغني الطفل قدرته على التركيز حين يختبر الهدوء والصمت والاستبطان، ويشقّ في الآن نفسه طريقه نحو الله. وهذا الجهد في التركيز مُفيد لنُضج شخصيته.

                                                 مسيرتكم

لمساعدة الأولاد على التركيز:
خفِّفوا من هول الصعوبات في الانتباه التي قد تواجههم في المدرسة، وأعيروا اهتماماً أشدّ لنظرتهم المُهتمة بما يحيط بهم.
لا تنتظروا منهم «التركيز الكامل» في بداية اللقاء، فهذا غير ممكن حتّى للكبار أحياناً.
لا تتجاوزوا إمكانياتهم. يجمع الاختصاصيّون على أنّ القدرة في التركيز الحقيقي للأولاد بين 7- 12 سنة لا تتجاوز العشر دقائق بوجهٍ عام.
نوّعوا النشاطات للمحافظة على اهتمامهم! ونوِّعوا أيضاً الأوضاع الجسدية، كي يرتاحوا: وقوف أثناء الصلاة، القيام بحركات إيمائيّة ...
كونوا يقظين في بداية كل لقاء فحين يتكلّمون على حياتهم وأحياناً على همومهم تتوَضِّح لكم قدرتهم على الانتباه. ففي الواقع، يكون التركيز أقل إذا كان الطفل محبطاً، قلقاً، يشعر بالذنب بسبب صعوبات مدرسية، عائلية ... فبعد فترة المذاكرات وظهور نتائجها، توقّعوا تركيزاً أقل.
تجنَبّوا الرد بسرعة على طفل يطرح سؤالاً قبلَ الانتهاء من حديثكم. إنَّ جواباً أحادي الجانب لا يُساعد على التركيز.
 كرِّروا بهدوء سؤال الطفل، فهذا يسمح له وللباقين بالتفكير، أي بالتركيز ويتقدَّم في تفكيره.
تكلموا بهدوء وبوضوح مع لحظات من الصمت. أدخلوا بعض الإثارة فهي توقظ الانتباه عند الجميع وخاصةً عند السمعيين. فحتى وإن بَدوا لكم حالمين، ربما يعني هذا أنَّهم في قمة نشاطهم الذهني، وأنهم يُركزون على ما تقولونه.
لا تنسوا الصور التي تساعد البصريين بشكلٍ خاص على التركيز.
لا تُهملوا الخُدَع مثلاً، عَرض صورة قديس ووصفه لمدة دقيقة ثم إخفاء الصورة. اطلبوا منهم إغلاق العينين واستعراض الصورة في مُخيلتهم. بإمكانكم أيضاً فعل الشيء نفسه مع آية من الكتاب المُقدس يستذكرونها غيباً بعدَ إغلاق عيونهم.
    *- أنطوان دو لا غاراندوري، فيلسوف وعالم تربية وُلد عام 1920، قادتهُ أعماله إلى محاولة فهم ما يمنع التلميذ عن تركيز انتباهه في عمل أو نشاط. وضعَ عام 1970 نظرية «التنظيم الفكري»، التي تفترض أنَّ كلَّ واحد منّا يُنظِّم باكراً طرائق خاصة شخصية لمعالجة المعلومات، التي تُصبح فيما بعد عادات ذهنية، رموز، تلمع في الذهن في الوقت المناسب.
التعليقات
0 التعليقات
شكرا لك على التعليق

اشترك فى القناة