تأملات في حياة داود النبي
نجاح داود كان سبب متاعبه كلها مع شاول الملك
ولكن كيف بدأت القصة وكيف تطورت بدأت بانتصار داود على جليات :
كان اخوة داود في ساحة الحرب لذلك ارسله يسى ابوه ليفتقد سلامتهم .ولم ينس ان يرسل معه بعض الطعام هدية لرئيس الألف (1 صم 17 :18 ). عجيب هدا الرجل يسى في هداياه وفي انه حسب الوصية لا يقف امام الله فارغا (خر 23 : 15 ) حتى انه لما سبق وارسل داود إلى شاول الملك " اخذ يسى حمارا حاملا خبزا وزق خمر وجدي ماعز وارسلها بيد داود ابنه إلى شاول " (1صم 16 :20 )
الحرب للرب :
وصل داود إلى ساحة الحرب ورأى الرجل الجبار جليات وهو يعير صفوف الله الحي .
كان منظره مخيفا طوله ستة أذرع وشبر ويلبس درعا وزنة خمسة آلاف شاقل نحاس وقناة رمحه كنول النساجين وهو يتحدى ويقول : " اختاروا لأنفسكم رجلا ولينزل إلى . ان قدر ان يحاربني ويقتلني نصير لكم عبيدا وان قدرت انا عليه وقتلته تصيرون لنا عبيدا وتخدموننا وقد ارتاع امامه شاول وكل الشعب" (1 صم 17 : 8 _ 11 ) ظل هذا الجبار يعير الجيش كله اربعين يوما
فلما ظهر داود انتهت الاربعين يوم ايام التعيير
الكل خافوا ما عدا داود الذي قال :" من هذا الأغلف حتي يعير صفوف الله الحي" ولعل البعض يتسأل من هذا الأغلف الذي يتكلم هكذا بكل جرأة وثقة . ايظن انه اقوي من كل ظباط الجيش وقواته ا
اما ثقة داود كان سببها ثقة داود ان "الحرب للرب"
وهذه الثقة كان لها خبرة عملية له مع الله حينما غلب الاسد والدب لذلك قال في ثقة :" الرب الذي انقذني من يد الأسد ومن يد الدب هو ايضا ينقذني " لذلك فأنه لم ينظر إلى قوة جليات إنما إلى قوة جليات الذي سيدفعه إلى يده هكذا كان داود هو الوحيد الذي لم يخاف في ساحة الحرب
وبوصول داود إلى المحلة ادخل فيها اسم الله
كان كل الناس يتحدثون عن " هذا الرجل الصاعد ويكون ان الرجل الذي يقتله يغنيه الملك غنى جزيلا ويعطيه ابنته ويجعل بيت ابيه حرا " (2 صم 17 :25 ) أما داود فلم يكن يفكر في كل هذا فهو مستعد ان يحارب الرجل ليس من اجل مكافأة مادية تعطى له انما بسبب الغيرة المقدسة التي تشتعل في قلبه
الياب
وسمعه اخوه الياب يتحدث مع الرجل عن قتل جليات فحمى غضب الياب على داود وقال له :" لماذا نزلت وعلى من تركت تلك الغنيمات القليلة في البرية انا علمت كبرياءك وشر قلبك لأنك انما نزلت لتري الحرب"
عجيب الياب هذا الذي رفضه الرب .
وعجيبة هي اتهاماته الباطلة لداود .
الياب كان ضمن الجنود الخائفين من جليات الذين تلقوا تهديداته وتعرياته في صمت وخوف . وهو الآن يتهم داود الذي وقف يتكلم في غيرة مقدسة ومن غير خوف وفي كل جرأة يشتم الياب داود ويقول له :" انا علمت كبرياءك وشر قلبك "
كل هم الياب في الغنيمات القليلة وقد حمي غضبه بسبب ذلك وليس بسبب تعيير صفوف الله والعجيب انه غضب على داود ولم يغضب على جليات حقا كما قال الشاعر :" اسد على وفي الحرب نعامة "
حقا ان الذين لا يعملون هم أكثر نقدا للذين يعملون
الياب الذي لم يجرؤ ان يقبل تحدي جليات ويخرج لينازله ينتقد داود ويتهمه وينتهره بسبب شجاعته وقبوله تحدي جليات ويقول له :" انا علمت كبرياءك وشر قلبك ويقينا هو لا يعلم شيئا عن قلب داود فقلب داود قدس أقداس للرب ......ويقول له انما نزلت لترى الحرب ما هي هذه الحرب التي يراها داود ...... لا يوجد امامه حرب انما جبار يتحدي وجيش خائف ساكت وملك مرتاع
اهذه هي الحرب التي يتهم داود انه جاء ليراها ام الحرب التي جاء داود ليصنعها
ام ان الياب كان في خجل من العار الذين هم فيه جميعا العار الذي جاء داود ليرفعه عنهم جميعا . حقا اننا لم نكن نعرف لماذا رفض الله الياب والان نعرف بعض من شخصية الياب المرفوض ومع المقارنة أظهر جزء من شخصية داود الذي اختاره الرب وفضله على بقية اخوته الخائفين مع الياب في ساحة الحرب .
لا يخاف
داود كان فتى شجاع لا يخاف وعندما اوصلوه الى الملك قال داود للملك :" لا يسقط قلب احد بسببه عبدك يذهب ويحاربه " عبارة عجيبة يقولها فتى صغير جرئ لملك خائف فلما قال له الملك "لا تستطيع ان تذهب وتحاربه لأنك غلام وهو رجل حرب منذ صباه " حينئذ بدا داود يحكي خبرته الروحية في عمل الله معه
فقال " كان عبدك يرعى غنم لأبيه فجاء اسد مع دب واخذ شاه من القطيع فخرجت وراءه وقتلته وانقذتها من فيه ولما قام علي امسكته من ذقنه وضربته فقتلته قتل عبدك الاسد والدب جميعا وهذا الأغلف يكون كواحد منهما "
نلاحظ هنا انه يكلم الملك الخائف في أدب جم فيقول له عبدك يذهب ويحاربه وعبدك كان يرعى غنم لأبيه كما يحيكي ان الله هو الذي انقذه من الأسد والدب والله هو الذي سينقذه من جليات ولاشك ان ادخال اسم الله في الحرب هو الذي يغرس الايمان والثقة في القلوب
داود لم يلبس سلاح الحرب لأنه كان يلبس سلاح الله
لم يكن متعودا على هذه الأسلحة كراع للغنم ولم يرد ان ينسب الانتصار إلى قوة السلاح بل إلى قوة الله لذلك لما التقى بجليات الجبار قال له :" أنت تأتي بسيف ورمح وانا أتي اليك باسم رب الجنود "
لم يك اللقاء بين جبار وغلام بل بين اثنين من الجبابرة
الأول جبار من جبابرة الحرب والثاني جبار من جبابرة الإيمان لم يخف داود من جليات لأنه لم يخف من الأسد في البرية لم يجر منه بل جرى وراءه وأمسكه وقتله وانقذ الشاه من فمه تصوروا طفلا وفي الصحراء يجري وراء أسد مفترس لينتزع الفريسة من فمه .
لقد اختبر في معركته مع الأسد والدب ان الله معه يقويه
لذلك قال في مزموره مزمور الراعى :" الرب يرعاني فلا يعوزني شئ لا اخاف شرا لأنك انت معي "
وقال في مزمور ثاني :" إن يحاربني جيش فلن يخاف قلبي وان قام على قتال ففي هذا انا اطمئن "
لذلك كان يتعزي فيما بعد بقول المزمور :" يسقط عن يسارك ألوف وعن يمينك ربوات اما انت فلا يقتربون منك بل بعينيك تنظر مجازاة الأشرار "
أنه يذكرني بالقديس اغناطيوس الانطاكي الذي لم يكن حامل السلاح وانما كان حامل الله لذلك لقبوه اغناطيوس الثيئوفورس إي حامل الله .
وهكذا قيل عن داود انه جبار بأس منذ طفولته كما كان دانيال النبي جبار بأس إذ القي في جب الأسود وحسن ان الله اختار لخدمته جبابرة كهولاء
معركة ايمان
خرج داود للقاء جليات الجبار وليس معه سوى مقلاعه " وانتخب لنفسه خمس حصوات ملس من الوادي "
ما هذا يا داود اخرجت لتصطاد عصافير ام لتلاقي جبار البأس جليات الذي يتحدى الجيش كله ويعيره ولكن داود يتعزي بقول الكتاب "ليس للرب مانع ان يخلص بالكثير او بالقليل" وهكذا قال داود لجليات :" الحرب للرب وهو يدفعكم ليدنا "
حقا كانت حربا بي الايمان يمثله داود وبين الطاقات البشرية والمادية يمثلها جليات وقد انتصر الايمان بحصاة داود
تقدم هذا الطفل الأشقر مع حلاوة في العيني إلى جليات فاحتقره لأنه لم يكن يدري الايمان الكبير الذي في قلبه ولم يكن يري قوة الله العاملة معه .
اما داود فلانه كان يرى الله امامه كل حين احتقر داود وكل قوته
واسرع إلى الصف وضربه بمقلاعه فارتكز الحجر في جبهته وسقط الجبار إلى الارض واسرع داود وأخذ سيف جليات من الأرض وقطع به رأسه وانتصر الجيش بانتصار داود اما هدف داود كان " لكي تعلم الأرض انه توجد إله "
العجيب ان شاول الملك لما رأى داود يتقدم لملاقاة جليات سأل :
ابن من هذا الغلام سأل عنه رئيس الجيش فقال له لست أعلم
ولما حضر داود ومعه رأس جليات لمقابلة شاول الملك سأله :" ابن من أنت يا غلام " فاجابه داود :" ابن عبدك يسى البيتلحمي " اجابه في وداعة ولم يقل له انا الذي كنت لك حامل سلاح وكنت اضرب لك على العود لتهدأ من اقتحام الروح النجس لك ولم يقل له انا الذي قابلتني قبل المعركة وحاولت ان تلبسني ملابس الحرب فاعتذرت عنها وانا الذي قلت لك لا يسقط قلب أحد بسببه بل اجاب بكل وداعة واتضاع فأخذه شاول من ذلك اليوم ولم يدعه يرجع لبيت أبيه ومن ذلك اليوم تعلقت به نفس يوناثان ابن شاول لأنه احبه كنفسه وقطع الاثنان عهدا بينهما
متاعب الانتصار
كان انتصار داود سبب مجد لداود في أعين الشعب وسبب تعب له في قصر الملك وبداية مشاكل عديدة
وكان ايضا من أسباب متاعب داود انه كان محبوبا وكان ناجحا في كل عمله وكان الله معه
فإن اصابك تعب في حياتك بسبب نجاحك لا تتضايق
احيانا هذا النجاح يسبب غيرة وحسد الأخرين فيتعبونك ولكن يعزيك قول المزمور :"كثيرة هي احزان الصديقين ومن جميعها ينجيهم الرب "
هابيل حسده أخوه لبره وقبول الله لذبيحته
ويوسف الصديق حسده اخوته لمحبة ابيه له وبسبب أحلامه التي أعلن فيها الله ما سوف يناله من أمجاد
لذلك فإن الناجحين يحتاجون إلى صلوات أكثر من الفاشلين
بسبب حسد الناس لهم وبالأكثر بسبب حسد الشياطين وربما أيضا لأن النجاح قد يرفع القلب من الداخل
ان الشيطان لا يحتمل ان يرى رجلا ناجحا لذلك فقد يحاربه من الداخل ومن الخارج أيضا
ضحية المديح
على ان السبب المباشر في بدء متاعب داود هو مديح النساء أولئك اللائي " خرجن في جميع المدن بالغناء والرقص للقاء شاول الملك بدفوف وفرح قائلات : ضرب شاول الوف وضرب داود ربواته " فأعطين شاول الالوف وداود عشرات الألوف .
ولم يضع النساء أمامهن نتيجة هذا المديح وأثره في قلب داود
وصار داود ضحية هذا المديح إذ تغير قلب شاول من جهته .
في بادئ الامر قبل حرب جليات قيل إن شاول احبه جدا وكان له حامل سلاح وارسل شاول إلى يسى يقول ليقف داود أمامي لأنه وجد نعمة في عيني .
وحتى بعد الانتصار وقبل غناء النساء كان الحب لا يزال موجودا كان داود ينجح في كل مهمة يرسله إليها شاول فجعله شاول على رجال الحرب وحسن في أعين جميع الشعب
كل ذلك الحب لأن الحسد لم يكن دخل بعد إلى قلب شاول من جهة داود
اما بعد غناء النسوة ومدحهن لداود اكثر من شاول دخل الحسد إلى قلب شاول من جهة داود فكان " يعاين داود من ذلك اليوم فصاعدا "