الله غير ما نتصوّره - بقلم الأب هنري بولاد اليسوعيّ

cover-allah

 

ما هي الصورة التي تتبادر إلى مخيّلتك عند لفظ كلمة الله؟ لكلٌّ منّا تصوّر عن الله فهل هذا التصوّر يطابق ويوافق ماهيّته؟

 صفحات هذا الكتاب تساعدنا لنتعرّف إلى صورة جديدة عنه. لكن علينا أوّلًا معرفة مكان وجوده لنلتقط له هذه الصورة. ثمّ نفتح صفحات الكتاب بواسطة برنامج الفوتوشوب، ليعدّل ما هو مشوّه في هذه الصورة، ويصحّح ما هو خاطئ  فيها لتبدو لنا في النهاية الصورة الأقرب والأدقّ عن الله.

في البداية يطرح الكاتب علينا سؤالًا جوهريًّا أين هو الله؟ أين هو من حياتنا؟ تلقائيًّا نجيبه بأنّ الله حولنا  يشغل كلّ الفراغ المحيط بنا. لكنّ حقيقة الأمر هي عكس ذلك تمامًا. الله موجود بداخلي أكثر ممّا هو في الفراغ. وكلّ شيء موجود هو تعبير عن وجوده تعالى. فما علينا إلّا أن نتعلّم كيف نترجم معاني المخلوقات ولغة الكون كي نفهم حقيقة وجوده. فكلّما غصنا في أعماق تلك المخلوقات وصلنا إلى جوهرها وهناك نلتقي الله، حيث يختفي في قلب كلّ مخلوق. إنّه موجود في قلب حياتنا ونحن نصرّ على أن نكون على السطح.

يشير الكاتب إلى تصحيح مهمّ للصورة يتعلّق بعظمة الله، فعظمته غير ما نتصوّرها:

حيث تتراود في مخيّلة وذاكرة غالبيّتنا صورة الله الذي يسكن في أعلى السماوات، ويجلس على عرشه، ويرسل ملائكته إلى الأرض حتّى يوصلوا إلى الناس أوامره، لكنّ حقيقة الله غير هذه الصورة السطحيّة تمامًا. فهو لا يتحكّم بنا بأوامر خارجيّة بل بإرشادٍ داخليّ بالوحي والروح وهذا هو الملك الحقيقي.

لكي نصل إلى هذه الحقيقة، ولكي تتوضّح معالم الصورة الحقيقيّة عن الله. يقترح علينا الكاتب أن نتأمّل مسيرة حياته التي تبدأ منذ تجسّده وعيشه بيننا. فهو ولد مهاجرًا، وفرّ لاجئًا من وجه هيرودس، ووقف مع طابور الخطأة ليعتمد على يد يوحنا، ورفض الدفاع عن نفسه في بستان جتسماني، وحدثت قيامته سرًّا، والصليب هو معجزته الكبرى، والحبّ هو لغته الوحيدة، فهو يتصدّر التاريخ لأنّه اختار الأسلوب الوحيد الذي من خلاله يستطيع أن يملك، فقلب الإنسان هو عرشه. الله أكبر بتواضعه وصغره. الله أكبر لأنّه أصغر، إنّه الوديع والمتواضع القلب مركز الكون ومركز قلب الإنسان.

تصحيح آخر للصورة يشير إليه الكاتب يتعلّق بقدرة الله، فقدرته غير ما نتصوّرها:

تتصور غالبيّتنا الله كفرعون يطحن الإنسان ويقهره. وهذه الصورة أتت من عبارة نتداولها «الله على كلّ شيءٍ قدير». هذه النظرة إلى الله وضعت الإنسان في حالة عبودية وألغت كيانه. لكنّ الحقيقة هي عكس ذلك تمامًا. فكلّما تعظّم الإنسان يتعظّم الله. فقدرة الله هي في قدرة الإنسان وملكوت الله يتحقّق في كلّ عملٍ بشريّ. وكثيرًا ما نتصوّر خطأً أنّ الله ساكن، جالس، وربّما نائم، معتقدين أنّ الثبات صفة ملازمة للألوهيّة. كلا، فالله خلقنا ولا يزال يخلق ولم يكتمل الخلق حتّى الآن. إذ شبّه الكاتب الله بالمخرج السينمائي الذي لا يظهر أمام المشاهدين، لكنّه موجود ووجوده محوريّ في كلّ العمل الفنيّ.

تصحيح ثالث للصورة يطرحه الكاتب يتعلّق بعناية الله، فعنايته غير ما نتصوّرها:

كلّنا يعتقد بأنّ الله قد حدّد مصير الإنسان والبشريّة سلفًا. أي كلّه مكتوب. إنّه الإيمان بالقضاء والقدر. لكنّ هذا يتعارض مع إيماننا المسيحيّ. فلا شيء مكتوب. وكلّ خطوة أقوم بها هي سطر جديد أدوّنه بنفسي، أمّا الله فيعمل من خلال يديّ وبواسطة اختياري وحرّيّتي. لكنّه يعمل بصورة مختلفة تمامًا عمّا كنّا نتصوّره. أنا أكتب قصّة حياتي بنفسي والله في داخلي يلهمني؛ الله يتدخّل في حياتي باستمرار.  إنّه معنا  فلنثق بعنايته بنا التي تفوق كلّ تصوّراتنا.

وأخيرًا يرسم الكاتب أروع صورة لله الآب بعيدة كلّ البعد عن الصورة التي نرسمها بخيالنا عنه، التي تتجلّى بصورة الآب الذي خلقنا في هذا العالم ثمّ انسحب، وجلس في سماواته واضعًا ساق على ساق والملائكة حوله. كلا، الله الذي أوجدنا وخلقنا يمنّ علينا دومًا بمزيد من الحياة والحبّ. والتأمّل بهذه الصورة يجب أن يولّد فينا الثقة والطمأنينة والسلام الداخلي والاقتناع بأنّ هناك أبًا لا ينسى أبناءه وهو يستجيب لرغباتهم.

كتاب يكشف عن أسلوب حياة جديدة ويعيد اكتشاف صورة الله التي شوّهناها، ويعرضها لنا بفنٍّ جديد وبنظرة تأمّليّة عميقة، يعلّمنا فيها كيف نجده ونتذوّقه وسط العالم، وكيف نكتشف وجهه في صميم حياتنا.

يجهل الناس حقيقة أنّ كتابًا واحدًا يمكن أن يغيّر حياة إنسان، والأبّ بولاد قادر على ذلك.

لقراءة مقدّمة الكتاب، والفصل الأوّل، ومطالعة العناوين، انقر هنا 


التعليقات
0 التعليقات
شكرا لك على التعليق

اشترك فى القناة