إنّ الألم ليس من عند الله في الأصل، إنّما هو، وإن كان بسماح من الله، فإنّ مصدره الحقيقي هو الخطيّة الأصليّة التي سقط فيها أبوانا الأوّلان آدم وحواء. والسّقوط أَدخَل الخطيّة والشر والألم والمُعاناة للجنس البشري كلّه. لكنّ الوعد بمعيّة الله وحفظه ورعايته لأولاده يظلّ مصدراً للبركة والتشجيع والعَون لهم.
لكن ماذا تقول كلمة الله عن الألم في حياة البشر؟
بعد أن قُلنا أن الخطيّة والسقوط هما السببان الأساسيّان للألم، ما هي بعض الأسباب الأخرى التي لأجلها يسمح الله لنا بالألم؟
· لأنّ الألم يعلّمنا الصّبر وطول الأناة والاحتمال.
· لأنّ الألم يعلّمنا أن نقترب من الله، ويُعلّمنا كيف نصرخ إلى الله ونلجأ إليه ونتّكل عليه وقت ضيقنا، فينقذنا ويرفعنا.
· لأنّ الألم ينقّينا ويُنضجنا ويُطهّرُنا من أخطائنا، فالألم للإنسان كالنار للذهب، يُصقله ويُصفّيه ليكون أنقى وأفضل.
· لأنّ الله يعلّمُنا بالألم دروساً لايمكننا أن نتعلّمها بدون الألم، (فرحيل أحد أحبّائنا عن الحياة ـ مثلاً ـ يجعلنا نقف لنفكّر في أمر حياتنا الأبدية، وما الذي سيلاقينا بعد الموت،.... إلخ، تلك الأمور التي ربّما لا نُفكّر فيها مُطلقاً إلاّ عند اجتيازنا لظروف كهذه!).
· لأنّ الألم يجعلنا نعرف كيف أنّ الله هو السيّد وصاحب كل القُدرة، ويقودنا لنتيقّن ونختبر أنّ الله صاحب السلطان.
· لأنّ الألم يساعدنا لنكتشف إن كانت محبّتنا لله ستظلُّ ثابتة وراسخة، (باستعدادنا لتحمُّل الآلام التي يسمح لنا بها)، أم أنّها موجودة فقط حين يُنعم ويُحسن علينا ـ تعالى ـ بفَيضِ خيراته وعطاياه!
· لأنّ الألم يساعدنا ـ حسب ما يُعلّمُنا الرسول بطرس ـ حتّى نُقلع عن الخطيئّة ونُبطل الاستهانة بالأمور الروحية، لأنّ من تألّم في الجسد كُفّ عن الخطيّة كي لا يعيش الزمان الباقي في الجسد (أي بقيّة عمره الذي يعطيه الرب إيّاه ليحياه على الأرض قبل موته)، لشهوات الجسد بل لإرادة الله (رسالة بطرس الأولى 4 : 1 ، 2 ).
· وهكذا عزيزي فالأسباب التي يسمح لأجلها الله لنا أن نتألّم هي عديدة ومُتنوّعة كما نرى، وكُلُّها تصُبُّ في مصلحتنا ولخيرنا.
· ماذا يعمل الله معنا في أوقات الألم؟
إن الله الذي يُحبُّنا يتألّم لأجل ألمنا، فهو كآب سماوي حنونٌ وصالحٌ يهتمُّ بأولاده ويتضايق لألمهم، وهو الذي يعطينا القُدرة على الصّبر في المصائب واحتمال الألم، وقد وعد أن يقف معنا وسط أزمات الحياة التي قد يسمح لنا بها، و يكافئنا ويباركنا إنْ صَبَرنا واحتَمَلنا ما يسمح لنا به. نعم، إنّه الأب الصالح الذي يتألّم وهو يرى ابنه يسقط كثيراً وهو يتعلّم المشي، لكنّه لابد أن يسمح له بذلك حتّى ينمو ويكبر وينضج.
إنّ الخبر المُفرِح الذي أحمله لك اليوم عزيزي القاريء، هو أنّك في كلِّ مرّة تتألّم، فإنّ الله يشعر بألمك ويتعاطف معك، وهو يريد أن يرفعك فوق آلامك ومتاعبك ومُعاناتك. لذا افرح واطمئن وثِق أنّ خلف الغيمةِ شمساً ستُشرق من جديد في حياتك. فانتظر الله واصبِر وثِق أنّه سيُعينك في ظروفك الصعبة حتّى يُمكّنك من التغلُّب عليها.
· ماذا يتوقّّع الله منّا وقت الألم؟ و كيف ينبغي علينا أن نتصرّف وقت الآلام والضغوط والمِحَن؟
وهذا السؤال إنّما هو يُمثّل قمّة الموضوع أو كما نقول: "بيت القَصيد". فكيف يُمكننا إذاً من أن نحصل على معونة الله لنا، وأن نجد فيه الطريق الصحيح للخروج من أزماتنا؟ فهذه بعض النصائح العملية لك في وقت الألم:
1. أُشكر الله وقت ألمك ومُعاناتك،
فشُكركَ هذا إنّما هو تعبير عن محبّتك لله وثقتك في صلاحه، وأنّه يعمل لك الأفضل دوماً. كما أن شكرك لله سيساعدك أيضاً أن تفهم الله وتكتشف محبّته وروعته لأجلك، وسيزيل كل مرارة لديك وسيعطيك القدرة لأن تُواجه الموقف الصعب الذي تجتازه بثَبات وثقة.
2. أُنظر لآلامك ومتاعبك على أنّها من عند الله وبسماحٍ منه،
لأنّك إن تقبّلتها من يد الله فإنّك ستكون قادراً على إدراك أنّها لابدّ لخيرك، لأنّ الله الصالح لن يسمح لك بشيء يضرُّك أو يؤذيك، بل المُحصّلة النهائيّة لابد أنّها ستكون لصالحك. كما أنّه لن يسمح لك بشيء فوق طاقتك، بل سيعطيك القدرة على التصرّف إن أنت لجأت إليه وطلبت معونته.
3. صلِّ لله واطلب منه أن يُعلن مشيئته لك، وغَرَضه من وراء هذا الظرف الذي تمرُّ به،
فأنت إن درّبت نفسك على أن تكون قريباً من الله، فسيساعدك ذلك أن تتعلّم الدرس الذي يريد الله أن يُعلّمك إيّاه. كما سيكون بمقدورك أيضاً أن تكتشف الغرض النهائي من وراء ما يسمح الله لك به من ألم.
4. سلّم إرادتك لمشيئة الله حتّى لو لم تعرفها، ضع ثقتك فيه ـ تعالى ـ ثِق أنّ الأمور وقتها ستَخرج بك إلى الرُّحب،
فالله تعالى هو الجدير بثقتك واتكالك، وعنده لابد ستطمئنّ نفسك وستجد الطريق الصحيح، لذا اهدأ وسكّن قلبك في طاعة الله وخوفه وهو سيقودك وسيرشدك للطريق الصواب.
عزيزي،
أريدك أن تتعلّم كيف تصنع من اللّيمونة الحامضة شراباً حُلواً، لذا فنصيحتي لك وقت ألمك وتعبك، انتظر الله.