إيمان اللص وإيماننا اليوم
في
أشد لحظات الألم على الصليب، نسمع كلمات يسوع للص اليمين قائلاً له:«اليوم تكون
معي في الفردوس[السماء]» (لوقا )، إنها إجابة على طلب «أذكرني في ملكوتك»، كم
من أشخاص عاشوا وأشخاص يعيشون الآن في جهادٍ مستمر نحو الملكوت إلا أننا لا يمكننا
التأكد من استحقاقهم الملكوت مثل اللص المصلوب.
إننا نؤكد
جميعاً أن اللص اليمين سرق الملكوت في لحظات، والسؤال هو: لماذا لا يمكننا أن نسرق
الملكوت طيلة هذا العمر الإيماني الذي نعيشه من المعمودية إلى يوم انتقالنا من هذا
العالم؟
إن بيننا
وبين إيمان اللص هوةً واسعةً، لقد اختلف المسيح الذي نؤمن به نحن والمسيح الذي آمن
به اللص. إننا نؤمن إيمان بطرس قبل القيامة، أننا نعرف المسيح الذي عرفه بطرس قبل
القيامة. والسؤال الآن: مَن هو المسح الذي نؤمن به ومَن هو المسيح الذي آمن به
اللص؟
نحن نؤمن
بيسوع المسيح الذي يصنع المعجزات، ويخضع الكون والطبيعة تحت يديه، نؤمن بمَن يشفي
المرضى ويقيم الموتى ويهب البصر للعميان، نؤمن بمَن يُخرس البحر، ويحرج الكتبة
والفريسيين، ويحول الماء إلى خمر، ويُطعم الجموع الكثيرة من الخبز القليل. وكل هذه
الأمور وغيرها رآها بطرس عن قُرب، ولكن عندما يتبدل الحال ونرى القوي ضعيف،
والمُكرم مهان، والممجد مرزول، يتبدل أيضاً موقفنا منه، فبطرس بعد أن كان مستعداً
للموت من أجل المسيح ها هو يقول أمام الجارية:«إني لا أعرف هذا الرجل»، حقاً كان
يعرفه قوي ولكنه يراه الآن ضعيف مرزول ومحتقر والكل بعد أن هتفوا له «مبارك الآتي
باسم الرب» يصرخوا قائلين:«أصلبه اصلبه دمه علينا وعلى أولادنا»، ونحن مع بطرس
يتبدل موقفنا من هذا الرجل، فبعد أن كنا نفخر ونصفق لمعجزاته وتعاليمه الذهبية ها
نحن نحزن وننظر إليه على أنه ضعيف "لا حول له ولا قوة".
في صلاة
أمانة اللص يوم الجمعة العظيمة نقول:«ماذا رأيتَ وماذا أبصرتَ أيها اللص حتى
اعترفت بالمسيح المصلوب بالجسد ملك السماء وإله الكل؟ ما رأيت المسيح الإله
متجلياً على طور طابور [جبل التجلي] في مجد أبيه، بل رأيته معلقاً على
الإقرانيون.....»، في الوقت الذي بعيش فيه يسوع أضعف وأحقر اللحظات، في وقتٍ تخلى
عنه كل رفقائه، في وقتٍ أعلن اليهود انتصارهم على الشخص الذي لا يُقهر وعذبهم
بتعاليمه ومبادئه سنين طويلة، في وقتٍ يطلب فيه رب الحياة ماءً فيُعطى له خلاً، في
وقتٍ تُوجَ فيه الملك الحقيقي بإكليل من الشوك، في وقتٍ تحققت فيه العبارة الشهيرة
بين اليهود «ملعون مَن عُلق على خشبة»، أمام كل هذا
نسمع اعتراف اللص وهو يصرخ «أذكرني يارب متى جئت في ملكوتك»، إنه اعتراف بالإلوهية
والملوكية والقوة وسط كل هذا الضعف. أي إيمان هذا الذي نسمعه؟ إنه حقاً إيمان
يستحق التطويب.
إن القضية
في إيماننا اليوم هو أن إيماننا ارتبط بالملموس والمحسوس، بل ارتبط بالأزمة
والمعجزة، إذا نظرنا إلى أفضل الأوقات التي تمتلئ الكنيسة بالناس عن أخرها إما في
وقت يمر الشعب فيه بأزمةٍ ما، أو حدوث معجزةٍ ما أو ظهورٍ ما حتى وإن كان غير
حقيقي. قد ارتبط إيماننا بشخص يصنع معجزة أو له القدرة على أن يًخرجنا من أزمة
نفسية أو حل لمشكلةٍ ما، وهذا ما يجعل الكثيرين من المؤمنين المعمدين الذين
يشتركون في الافخارستيا يجرون وراء السحرة والعرافة ومَن يدعون معرفة المستقبل،
لقد تحول إيماننا إلى منفعة شخصية حتى وإن كانت السماء.
لقد آمن
اللص بإلهٍ حي حقيقي، ونحن نؤمن الآن بالقديس(فلان) أو غيره، هذا ما يؤكد سؤال يسوع
المسيح:«وإذا جاء ابن الإنسان هل يجد إيمانناً على الأرض؟؟؟» ( )، نعم قد يجد إيمانناً بالأشخاص الذين يصنعون
المعجزات (وقد صنعهم البشر)، بالسحرة والعرافة ومَن يدعون معرفة المستقبل، لكن هل
يجد إيمانناً به كشخص حي حاضر في قلوب البشر؟ إيمانناً به كإله حقيقي وسيد ورب
الكون والبشر أجمع؟ هذا هو الإيمان الذي يطلبه يسوع «أنتم تؤمنوا بالله فآمنوا بي»
(يوحنا )،
هذا هو الإيمان الذي يجب أن يكون.
يارب
لا تجعل إيماني ربحاً للسماء بل جباً في شخصك!!!!
لتحميل الملف ورد